كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

أهلكنا قبل قومك من قرن قوما مقترنين في زمن واحد هم أشد منهم بطشا أي قوة كما قيل أو أخذا شديدا في كل شيء كعاد وقوم فرعون فنقبوا في البلاد ساروا في الأرض وطوفوا فيها حذار الموت فالتنقيب السير وقطع المسافة كما ذكره الراغب وغيره وأنشدوا للحرث بن حلزة : نقبوا في البلاد منحذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال ولامريء القيس : وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالأياب وروي وقد طوفت وأخرج الطستي عن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن ذلك فقال : هو هربوا بلغة اليمن وأنشد له الحرث المذكور نسبه لهدى بن زيد وفسر التنقيب في البلاد بالتصرف فيها بملكها ونحوه وشاع التنقيب في العرف بمعنى التنقير عن الشيء والبحث عن أحواله ومنه قوله تعالى : وبعثنا منهماثني عشر نقيبا وأما قولهم : كلب نقيب فهو بمعنى منقوب أي نقبت غلصمته ليضعف صوته والفاء علىتفسير التنقيب بالسير ونحوه المروي عن ابن عباس لمجرد التعقيب وعلى تفسيره بالتصرف للسببية لأن تصرفهم في البلاد مسبب عن اشتداد بطشهم وهي على الوجهين عاطفة على معنى ما قبلها كأنه قيل : اشتد بطشهم فنقبوا وقيل : هي على ما تقدم أيضا للسببية والعطف على أهلكنا على أن المراد أخذنا في إهلاكهم فنقبوا في البلاد هل من محيض
36
- على إضمار قول هو حال من واو نقبوا أي قائلين هل لنا مخلص من الله تعالىأو من الموت أو على جزاء التنقيب لما فيه من معنى التتبع والتفتيش مجرى القول على ما قيل أو هوكلام مستأنف لنفي أن يكون لهم محيص أي لهم مخلص من الله عز و جل أو من الموت وقيل : ضمير نقبوا لأهلمكة أي ساروا في مسايرهم وأسفارهم في بلاد القرون المهلكة فهل رأوا لهم محيصا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم
وأيد بقراءة ابن عباس وابن يعمر وأبي العالية ونصر بن سيار وأبيحيوة والأصمعي عن أبي عمرو فنقبوا على صيغة الأمر لأن الأمر للحاضر وقت النزول من الكفار وهم أهل مكة لا غير والأصل توافق القرائتين وفيه على هذه القراءة التفات من الغيبة إلى الخطاب وقرأ ابن عباس أيضا وعبيد عن أبيعمرو فنقبوا بفتح القاف مخففة والمعنى كما في المشددة وقريء بكسر القاف خفيفة منالنقب محركا وهو أن ينتقب خف البعير ويرق من كثرة السير قالالراجز : أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من نقب ولا دبر والكلام بتقدير مضاف أي نقبت أقدامهم ونقب الأقدام كناية مشهورة عن كثرة السير فيؤل المعنى إلى أنهم أكثروا السير في البلاد أو نقبت أخفاف مراكبهم والمراد كثرة السير أيضا وقد يستغنى عن التقدير بجعل الأسناد مجازيا إن في ذلك أي الأهلاك أو ما ذكر في السورة لذكرى لتذكرة وعظة لمن كان له قلب أي قلب واع يدرك الحقائق فإن الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم وفيالكشف لمن كان الخ تمثيل أو ألقي السمع أي أصغى إلى ما يتلى عليه منالوحي وهو شهيد
37
- أي حاضر على أنه من الشهود بمعنى الحضور والمراد به المتفطن لأن غير المتفطن منزل منزلة الغائب فهو إما

الصفحة 191