كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

البحر عن ابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أنه عليه الصلاة و السلام قرأ عليهم سورة الرحمن فكان إذا قال : فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا : لا بشيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد وأخرج أبو نعيم في الدلائك والواقدي عن أبي جعفر قال : قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة وفي معناه ما قيل : كانت القصة قبل الهجرة بثلاث سنين بناء على ما صح عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مكث بمكة يوحي إليه ثلاث عشرة سنة وفي المسألة خلاف والمشهور ما ذكر
وقيل : كان استماع الجن في ابتداء الإيحاء قالوا أي عند رجوعهم إلى قومهم يا قومنا إنا سمعنا كتابا جليل الشأن أنزل من بعد موسى ذكروه دون عيسى عليهما السلام لأنه متفق عليه عند أهل الكتابين ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى عليه السلام مأمور بالعمل بمعظم ما فيه أو بكله وقال عطاء : لأنهم كانوا على اليهودية ويحتاج إلى نقل صحيح وعن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام فلذا قالوا ذلك وفيه بعد فإن اشتهار أمر عيسى عليه السلام وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن ومن هنا قال أبو حيان : إن هذا لا يصح عن ابن عباس مصدقا لما بين يديه من التوراة أو جمع الكتب الإلهية السابقة يهدي إلى الحق من العقائد الصحيحة وإلى طريق مستقيم
30
- من الأحكام الفرعية أو ما يعمها وغيرها من العقائد على أنه من ذكر العام بعد الخاص
يا قومنا أجيبوا داعي الله أرادوا به ما سمعوه من الكتاب ووصفوه بالدعوة إلى الله تعالى بعدما وصفوه بالعداية إلى الحق والطريق المستقيم لتلازمهما وفي الجمع بينهما ترغيب لهم في الإجابة أي ترغيب وجوز أن يكون أرادوا به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وآمنوا به أي بداعي الله تعالى أو بالله عز و جل يغفر لكم من ذنوبكم أي بعض ذنوبكم قيل : وهو ما كان خالص حقه عز و جل فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان وتعقبه ابن المنير بأن الحربي إذا نهب الأموال وسفك الدماء ثم حسن إسلامه جب إسلامه إثم ما تقدم بلا إشكال ثم قال ويقال : إنه لم يرد وعد المغفرة للكافرين على تقدير الإيمان في كتاب الله إلا مبعضة وهذا منه فإن لم يكن لإطراده كذلك سر فما هو إلا أن مقام الكافرين قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه في مغفرة جملة الذنوب وقد ورد في حق المؤمنين كثيرا ورده صاحب الأنصات بأن مقام ترغيب الكافر في الإسلام بسط لا قبض وقد أمر الله تعالى أن يقول لفرعون : قولا لينا وقد قال تعالى : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وهي غير مبعضة و ما للعموم لا سيما وقد وقعت في الشرط
وقال بعض أجلة المحققين : إن الحربي وإن كان إذا أسلم لا تبقى عليه تبعة أصلا لكن الذمي إذا أسلم تبقى عليه حقوق الآدميين والقوم كما نقل عن عطاء كانوا يهودا فتبقى عليهم تبعاتهم فيما بينهم إذا أسلموا جميعا من غير حرب فلما كان الخطاب معهم جيء بما يدل على التبعيض وقيل : جيء به لعدم علم الجن بعد بأن الإسلام يجب إثم ما قبله مطلقا وفيه توقف وقد يقال : أرادوا بالبعض الذنوب السالفة ولو لم يقولوا ذلك لتوهم المخاطبون أنهم إن أجابوا داعي الله تعالى وآمنوا به يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر وقيل : من زائدة أي يغفر لكم ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم
31
- معد للكفرة وهذا ونحوه يدل على أن الجن

الصفحة 32