كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

مكلفون ولم ينص ههنا على ثوابهم إذا أطاعوا وعمومات الآيات تدل على الثواب وعن ابن عباس لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها ولعل الأقتصار هنا ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب والمقام مقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب وقيل : لا ثواب لمطيعيهم إلا النجاة من النار فيقال لهم : كونوا ترابا فيكونون ترابا وهذا مذهب ليث بن أبي سليم وجماعة ونسب إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال النسفي في التيسير : توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل
وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمنين الجن حول الجنة في ربض وليسوا فيها وقيل : يدخلون الجنة ويلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذة ما يصيبه بنو آدم من لذائذهم قال النووي في شرح صحيح مسلم : والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما وهذا مذهب الحسن البصري ومالك ابن أنس والضحاك وابن أبي ليلى وغيرهم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض إيجاب للأجابة بطريق الترهيب إثر إيجابها بطريق الترغيب وتحقيق لكونهم منذرين وإظهار داعي الله من غير اكتفاء بأحد الضميرين بأن يقال : يجبه أو يجب داعيه للمبالغة في الإيجاب بزيادة التقرير وتربية المهابة وإدخال الروعة
وتقييد الإعجاز بكونه في الأرض لتوسع الدائرة أي فليس بمعجز له تعالى بالهرب وإن هرب كل مهرب منأقطار أو دخل في أعماقها وقوله تعالى : وليس له من دونه أولياء بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه وجمع الأولياء باعتبار معنى من فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع لانقسام الآحاد على الآحاد ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عامر أنه قرأ وليس لهم بضمير الجمع فإنه لمن باعتبار معناها وكذا الجمع في قوله سبحانه : أولئك بذلك الأعتبار أي أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعي الله في ضلال مبين
32
- أي ظاهر كونه ضلالا بحيث لا يخفى على أحد حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه أو لم يروا الهمزة للإنكار والواو على أحد القولين عطف على مقدر دخله الأستفهام يستدعيه المقام والرؤية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا أن الله خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن أي لم يتعب بذلك أصلا من عيي كفعل بكسر العين ويجوز فيه الإدغام بمعنى تعب كأعيا وقال الكسائي : أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز والتحير في الأمر وأنشدوا : عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامة أي لم يعجز عن خلقهن ولم يتحير فيه واختار بعضهم عدم الفرق وقرأ الحسن ولم يعي بكسر العين وسكون الياء ووجهه أنه في الماضي فتح عين الكلمة كما قالوا في بقي بفتح القاف وألف بعدها وهي لغة طيء ولما بنى الماضي على فعل مفتوح العين بني مضارعه على يفعل مكسورها فجاء يعيي فلما دخل الجازم حذف الياء فبقي يعي بنقل حركة الياء إلى العين فسكنت الياء وقوله تعالى : بقادر في حيز الرفع لأنه خبر أن

الصفحة 33