كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

والآية عامة لكل من اتصف بعنوان الصلة وقال ابن عباس : هم أي الذين كفروا وصدوا على الوجه الثاني في صدوا المطعمون يوم بدر الكبرى وكأنه عني من يدخل في العموم دخولا أوليا فإن أولئك كانوا صادين بأموالهم وأنفسهم فصدهم أعظم من صد غيرهم ممن كفر وصد عن السبيل وأول من أطعم منهم على ما نقل عن سيرة ابن سيد الناس أبو جهل عليه اللعنة نحر لكفار قريش حين خرجوا من مكة عشرا من الأبل ثم صفوان ابن أمية نحر تسعا بعسفان ثم سهل بن عمرو نحر بقديد عشرا ثم شيبة بن ربيعة وقد ضلوا الطريق نحر تسعا ثم عتبة بن ربيعة نحر عشرا ثم مقيس الجمحي بالأواء نحر تسعا ثم العباس نحر عشرا والحرث بن عامر نحر تسعا وأبو البختري على ماء بدر نحر عشرا ومقيس تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم وقيل : كانوا ستة نفر نبيه ومنبه ابنا الحجاج وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل والحرث ابنا هشام وضم مقاتل إليهم ستة أخرى وهم عامر بن نوفل وحكيم بن حزام وزمعة بن الأسود والعباس بن عبد المطلب وصفوان بن أمية وأبو سفيان بن حرب أطعم كل واحد منهم يوما الأحابيش والجنود يستظهرون بهم على حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا ينافي عد أبي سفيان أن صحت الرواية من أولئك كونه مع العير لأن المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل من أطعم في الطريق وفي مدتها حتى انقضت وقال مقاتل : وهم اثنا عشر رجلا من أهل الشرك كانوا يصدون الناس عن الإسلام ويأمرنهم بالكفر وقيل : هم شياطين من أهل الكتاب صدوا من أراد منهم أو من غيرهم عن الدخول في الإسلام
والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى : أضل أعمالهم
1
- أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا نفع أصلا لا بمعنى أنه سبحانه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن كذلك بل بمعنى أنه عز و جل حكم ببطلانها وضياعها أو أريد بها ما كانوا يعملونه من أعمال البر كصلة الأرحام وقرى الأضياف وفك الأسارى وغيرها من المكارم
وجوز أن يكون المعنى جعلوها أضلالا أي غير هدى حيث لم يوفقهم سبحانه لأن يقصدوا بها وجهه سبحانه أو جعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد ومن قال الآية في المطعمين وأضرابهم قال : المعنى أبطل جل وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كالأنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة و السلام وغيره بنصر رسوله صلى الله عليه و سلم وإظهار دينه على الدين كله ولعله أوفق بما بعده وكذا بما قيل أن الآية نزلت ببدر
والذين آمنوا وعملوا الصالحات قال ابن عباس فيما أخرجه عنه جماعة منهم الحاكم وصححه هم أهل المدينة الأنصار وفسر رضي الله تعالى عنه الذين كفروا بأهل مكة قريش وقال مقاتل : هم ناس من قريش وقيل : مؤمنوا أهل الكتاب وقيل : أعم من المذكورين وغيرهم فإن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص وآمنوا بما نزل على محمد من القرآن وخص بالذكر الإيمان بذلك مع اندراجه فيما قبله تنويها بشأنه وتنبيها على سمو مكانه من بين سائر ما يجب الإيمان به وأنه الأصل في الكل ولذلك أكد بقوله تعالى : وهو الحق من ربهم وهو جملة معترضة بين المبتدأ والخبر مفيدة لحصر الحقية فيه على طريقة الحصر في قوله تعالى : ذلك الكتاب وقولك : حاتم الجواد فيراد بالحق ضد الباطل وجوز أن يكون الحصر على ظاهره والحق الصابت وحقية ما نزل عليه عليه الصلاة و السلام لكونه ناسخا لا ينسخ

الصفحة 37