كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

وهذا يقتضي الأعتناء به ومنه جاء التأكيد وأيا ما كان فقوله تعالى من ربهم حال من ضمير الحق وقرأ زيد بن علي وابن مقسم نزل مبنيا للفاعل والأعمش أنزل معدي بالهمزة مبنيا للمفعول وقريء أنزل بالهمز مبنيا للفاعل ونزل بالتخفيف كفر عنهم سيآتهم أي سترها بالإيمان والعمل الصالح والمراد أن الها ولم يؤاخذهم بها وأصلح بالهم
2
- أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد وتفسير البال بالحال مروي عن قتادة وعنه تفسيره بالشأن وهو الحال أيضا أو ماله خطر وعليه قول الراغب : البال الحال التي يكترث بها ولذلك يقال : ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به ومنه قوله صلى الله عليه و سلم : كل امر ذي بال الحديث ويكون بمعنى الخاطر القلبي ويتجوز به عن القلب كما قال الشهاب وفي البحر حقيقة البال الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ومن صلح قلبه صلحت حاله فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع له وحكى عن السفاقسي تفسيره هنا بالفكر وكأنه لنحو ما أشير إليه وهو كما في البحر أيضا مما لا يثنى ولا يجمع وشذ قولهم في جمعه بالات ذلك إشارة إلى ما مر من الأضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الخق والمراد بالحق معناهما المشهور
وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد تفسير الباطل بالشيطان وفي البحر قال مجاهد : الباطل الشيطان وكل ما يأمر به و الحق هو الرسول والشرع وقيل : الباطل ما لا ينتفع به وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف و بأن الخ في محل نصب على الحال والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبسا بهذا السبب
والعامل في الحال إما معنى الإشارة وإما نحو أثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأن مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكابا للحذف من غير داع له والجار والمجرور أعني من ربهم في موضع الحال على كل حال والكلام أعني قوله تعالى : ذلك بأن إلى قوله سبحانه : من ربهم تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول ويسميه علماء البيان التفسير ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه
به الفرسان فوق خيولهم كما فجعت تحت الستور العواتق تساقط من أيديهم البيض حيرة وزعزع عن أجيادهن المخانق فإن فيه تفسيرا على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام كذلك أي مثل ذلك الضرب البديع يضرب الله أي يبين للناس أي لأجلهم أمثالهم
3
- أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيب والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والأضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق لعمل المؤمنين وتكفير السيآت مثلا لفوزهم والأشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق وجوز كون ضمير أمثالهم للناس والفاء في قوله تعالى : فإذا لقيتهم الذين كفروا لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها فإن ضلال أعمال الكفرة وخيبتهم

الصفحة 38