كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
كما صرح به في البحر وظاهر الآية على ما ذكره السيوطي في أحكام القرآن العظيم امتناع القتل بعد الأسر وبه قال الحسن وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أنه قال : أتى الحجاج بأسارى فدفع إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رجلا يقتله فقال ابن عمر : ليس بهذا أمرنا إنما قال الله تعالى : حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء وفي حكم الأسارى خلاف فذهب الأكثرون إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قتلهم إن لم يسلموا لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قتل صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث التي قالت فيه أخته أبياتا منها تخاطب النبي صلى الله عليه و سلم : ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المعيط المحنق ولأن في قتلهم حسم مادة فسادهم بالكلية وليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيرا بنفسه فإن فعل بلا ملجيء كخوف شر الأسير كان للإمام أن يعزره إذا وقع على خلاف مقصوده ولكن لا يضمن شيئا وإن شاء أسترقهم لأن فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لأهل الإسلام وإن شاء تركهم ذمة أحرارا للمسلمين كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه ذلك في أهل السواد إلا أسارى مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا تقبل منهم جزية ولا يجوز استرقاقهم بل الحكم فيهم إما الإسلام أو السيف وإن أسلم الأسارى بعد الأسر لا يقتلهم لاندفاع شرهم بالأسلام ولكن يجوز استرقاقهم فإن الإسلام لا ينافي الرق جزاء على الكفر الأصلي وقد وجد بعد انعقاد سبب الملك وهو الإستيلاء على الحربي غير المشرك من العرب بخلاف ما لو أسلموا من قبل الأخذ فإنهم يكونون أحرارا لأنه إسلام قبل انعقاد سبب الملك فيهم ولا يفادي بالأسارى في أحدى الروايتين عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لما في ذلك من معونة الكفر لأمنه يعود الأسير الكافر حربا علينا ودفع حرابته خير من استنقاذ المسلم لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه فقط والضرر أسيرهم إليهم يعود على جماعة المسلمين
والرواية الأخرى عنه أنه يفادي وهو قول محمد وأبي يوسف والإمام الشافعي ومالك وأحمد إلا بالنساء فإنه لا يجوز المفاداة بهن عندهم ومنع أحمد المفاداة بصبيانهم وهذه رواية السير الكبير قيل : وهو أظهر الروايتين عن الإمام أبي حنيفة وقال أبو يوسف : تجوز المفاداة بالأسارى قبل القسمة لا بعدها وعند محمد تجوز بكل حال ووجه ما ذكره الأئمة من جواز المفاداة أن تخليص المسلم أولى من قتل الكافر للأنتفاع به ولأن حرمته عظيمة وما ذكر من الضرر الذي يعود إلينا يدفعه إليهم يدفعه ظاهرا المسلم الذي يتخلص منهم لأنه ضرر شخص واحد فيقوم بدفعه واحد مثله ظاهرا فيتكافئان وتبقى فضيلة تخليص المسلم وتمكينه من عبادة الله تعالى فإن فيها زبانية ترجيح
ثم أنه قد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد بن حميد وابن جرير عن عمران ابن محيصن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين ويحتج لمحمد بما أخرجه مسلم أيضا عن إياس ابن سلمة عن أبيه سلمة قال : خرجنا مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه أمره علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن قال فلقيني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الغد في السوق فقال : يا سلمة هب لي المرأة يعني التي نفله أبو بكر إياها فقلت : يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا ثم لقيني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الغد في السوق فقال : يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك فقلت : هي لك يا رسول الله فو الله ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ففدى بها ناسا من المسلمين أسروا بمكة ولا يفادي بالأسير إذا أسلم وهو