كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

نحو ما قالوا في اسم محمد صلى الله عليه و سلم إنه متضمن عدة المرسلين عليه السلام وأنت تعلم أن مثل ذلك مما لا ينبغي لعاقل أن يعول عليه أو يلتفت إليه والحزم الجزم بأنه لا يعلم ذلك إلا اللطيف الخبير فاعلم أنه لا إله إلا الله مسبب عن مجموع القصة من مفتتح السورة لا عن قوله تعالى : هل ينظرون كأنه قيل : إذا علمت أن الأمر كما ذكر سعادة هؤلاء وشقاوة هؤلاء فأثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية فهو من موجبات السعادة وفسر الأمر بالعلم بالثبات عليه لأن علمه صلى الله عليه و سلم بالتوحيد لا يجوز أن يترتب على ما ذكره سبحانه من الأحوال فإنه عليه الصلاة و السلام موحد عن علم حال ما يوحى إليه ولأن المعنى فتمسك بما أنت فيه من موجبات السعادة لا باطلب السعادة وقال بعض الأفاضل : إن الثبات أيضا حاصل له عليه الصلاة و السلام فأمره بذلك صلى الله عليه و سلم تذكير له بما أنعم الله تعالى عليه توطئة لما بعده وتعقب بأن المراد بالثبات الأستمرار وهو بالنظر إلى الأزمنة الآتية وذلك وإن كان مما لا بد من حصوله له عليه الصلاة و السلام لمكان العصمة لكن المعصوم يؤمر وينهى فيأتي بالمأمور ويترك المنهي ولا بد للعصمة والأمر في قوله تعالى : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات قيل على معنى الثبات أيضا وجعل الأستغفار كناية عما يلزمه من التواضع وهضم النفس والأعتراف بالتقصير لأنه صلى الله عليه و سلم معصوم أو مغفور لا مصر ذاهل عن الأستغفار وقيل : التحقيق أنه توطئة لما بعده من الأستغفار للمؤمنين والمؤمنات ولعل الأولى إبقاؤه على الحقيقة من دون جعله توطئة والنبي صلى الله عليه و سلم كان يكثر الأستغفار أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن الأغر المزني رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة وأخرج النسائي وابن ماجه وغيرهما عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه و سلم في المجلس يقول : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة وفي لفظ التواب الغفور إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة
والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة و السلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل ورب شيء حسنة من شخص سيئة من آخر كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد ذكروا أن لنبينا صلى الله عليه و سلم في كل لحظة عروجا إلى مقام أعلى مما كان فيه فيكون ما عرج منه في نظره الشريف ذنبا بالنسبة إلى ما عرج إليه فيستغفر منه وحملوا على ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : إنه ليغان على قلبي الحديث وفيه أقوال أخر وقوله تعالى : وللمؤمنين على حذف مضاف بقرينة ما قبل أي ولذنوب المؤمنين وأعيد الجار لأن ذنوبهم جنس آخر غير ذنبه عليه الصلاة و السلام فإنها معاص كبائر وصغائر وذنبه صلى الله عليه و سلم ترك الأولى بالنسبة إلى منصبه الجليل ولا يبعد أن يكون بالنسبة إليهم من أجل حسناتهم وقيل : وفي حذف المضاف وتعليق الأستغفار بذواتهم إشعار بفرط احتياجهم إليه فكان ذواتهم عين الذنوب وكذا فيه إشعار بكثرتها وجوز بعضهم كون الأستغفار للمؤمنين بمعنى طلب المغفرة لهم وطلب سببها كأمرهم بالتقوى وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز مع أن في صحته كلاما فالظاهر إبقاء اللفظ على حقيقته
وفي تقديم الأمر بالتوحيد إيذان بمزيد شرف التوحيد فإنه أساس الطاعات ونبراس العبادات وفي الكلمة الطيبة أبحاث شريفة ولطائف منيفة لا بأس بذكر بعضها وإن تقدم شيء من ذلك فنقول : المشهور أن إلا للأستثناء والأسم الجليل بدل من محل اسم لا النافية للجنس وخبر لا محذوف واستشكل الإبدال من جهتين أولاهما أنه بدل بعض وليس معه ضمير يعود على المبدل منه وهو شرط فيه وأجيب بمنع كونه شرطا مطلقا

الصفحة 55