كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

غيره تعالى مع اعتقاده إمكان وجود إله غيره سبحانه بعد ذلك ومن الناس من أيد تقدير الخبر كذلك بأن الظاهر أن لا نافية للجنس ونفي الماهية نفسها بدون اعتبار الوجود واتصافها به كنفي السواد نقسه لا نفي وجوده عنه بعيد فكما أن جعل الشيء باعتبار الوجود إذ لا معنى لجعل الشيء وتصييره نفسه فكذلك نفيه ورفعه أيضا باعتبار رفع الوجود عنه وتعقب بأن هذا هو الذي يقتضيه النظر الجليل وأما النظر الدقيق فقد يحكم بخلافه لأن نفي الماهية باعتبار الوجود ينتهي بالآخرة إلى نفي ماهية ما باعتبار نفسها وذلك لأن نفي اتصافها بالوجود لا يكون باعتبار اتصاف ذلك الأتصاف به ما لا يتناهى فلا بد من الأنتهاء إلى اتصاف منتصف بنفسه لا باعتبار اتصافه بالوجود دفعا للتسلسل وقيل : الظاهر أن نفي الأعيان كما في الكلمة الطيبة إنما هو باعتبار ذلك وأما غيرها فتارة وتارة فتدبر و إلا على التقدير المذكور للأستثناء ورفع الأسم الجليل على ما سمعت من المشهور وقيل : هي فيه بمعنى غير صفة الاسم لا باعتبار المحل أي لا إله غير الله تعالى موجود
واعترض بأن المقصود من الكلام أمران نفي الألوهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه وهو إنما يتم إذا كانت لا فيه للأستثناء إذ يستفاد النفي والإثبات حينئذ بالمنطوق أما إن كانت بمعنى غير فلا يفيد بمنطوقه إلا نفي الألوهية عن غيره تعالى سبحانه وفي كون أثباتها له تعالى بالمفهوم ويكتفي به بحث لأن ذلك إن كان مفهوم لقب فلا عبرة عند القائلين بالمفهوم على الصحيح خلافا للدقاق والصيرفي من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية ومنصور بن أحمد من الحنابلة وإن كان مفهوم صفة فمن البين أنه غير مجمع عليه بل أبو حنفية رضي الله تعالى عنه لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة أصلا وأنت تعلم أن ما ذكره من إفادة الكلمة الطيبة إثبات الإلهية لله تعالى ونفيها عما سواه عز و جل على تقدير كون إلا للأستثناء غير مجمع عليه أيضا فإن الأستثناء من النفي ليس بإثبات عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وجعل الإثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع وفي المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام وماله وما عليه في كتب الأصول فلا تغفل وتمام الكلام فيما يتعلق بإعراب هذه الكلمة الطيبة في كتب العربية وقد ذكرنا ذلك في تعليقاتنا على شرح السيوطي للألفية وهي عند السادة الصوفية قدست أسرارهم جامعة لجميع مراتب التوحيد ودالة عليها إما منطوقا أو بالأستلزام ومراتب أربع الأولى توحيد الألوهية الثانية توحيد الأفعال الثالثة توحيد الصفات وإن شئت قلت : توحيد الوجوب الذاتي فإنه يستلزم سائر الصفات الكمالية كما فرعها بعض المحققين الرابعة توحيد الذات وإن شئت قلت : توحيد الوجود الحقيقي فإن المآل واحد عندهم وببيان ذلك أن لا إله إلا الله منطوقه على ما يتبادر إلى الأذهاب وذهب إليه المعظم قصر الألوهية على الله تعالى قصرا حقيقا أي إثباتها له تعالى بالضرورة ونفيها عن كل ما سواه سبحانه كذلك وهو يستلزم توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وتوحيد الذات أما الأول الذي هو قصر الحالقية فيه تعالى فلأن مقتضى قصر الألوهية عليه تعالى قصرا حقيقيا هو أن الله عز و جل هو الذي يستحق أن يعبده كل مخلوق فهو النافع الضار على الإطلاق فهو سبحانه وتعالى الخالق لكل شيء فإن كل من لا يكون خالقا لكل شيء لا يكون نافعا ضارا على الإطلاق وكل من لا يكون كذلك لا يستحق أن يعبده كل مخلوق لأن العبادة هي الطاعة والأنقياد والخضوع ومن لا يملك نفعا ولا ضرا بالنسبة إلى بعض المخلوقين لا يستحق أن يعبده ذلك البعض ويطيعه وينقاد له فإن من لا يقدر على إيصال نفع إلى شخص أو دفع ضر عنه لا يرجوه ومن لا يقدر على إيصال ضر إليه لا يخافه وكل من لا يخاف ولا يرجى أصلا لا يستحق أن يعبد وهو ظاهر لكن الذي يقتضيه قصر الألوهية عليه تعالى قصرا حقيقيا هو أن الله تعالى هو الذي يستحق أن يعبده كل مخلوق فهو النافع الضار

الصفحة 59