كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

دخل الجنة أي بلا حساب وإلا فما الفرق بين ذلك ومن قالها ولم تكن آخر كلامه من الدنيا وبالجملة إن فضلها لا يحصى وأنها لتوصل قائلها إلى المقام الأقصى وقد ألقت كتب في فضلها وكيفية النطق بها وآداب استعمالها فلا نطيل الكلام في ذلك
بقي ههنا بحث وهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى وإن اختلفوا في كونه شرعيا أو عقليا أما النظر في معرفته تعالى لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية فقد قال العلامة التفتازاني في شرح المقاصد : لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوبه لأنه أمر مقدور ويتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو المعرفة وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا إن كان وجوب الواجب المطلق شرعيا كما هو رأي الأصحاب وعقلا إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال أما كون النظر مقدورا فظاهر وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به وظاهر كلام السيد السند في شرح المواقف إجماع المسلمين كافة على ذلك أيضا والحق وقوع الخلاف في وجوب النظر كما يدل عليه كلام ابن الحاجب في مختصره والعضد في شرحه وكلام التاج السبكي في جمع الجوامع والجلال المحلى في شرحه وقول شيخ الإسلام في حاشيته عليه : محل الخلاف في وجوب النظر في أصول الدين وعدم وجوبه في غير معرفة الله تعالى منها أما النظر فيها فواجب إجماعا كما ذكره السعد التفتازاني كغيره اعترضه المحقق ابن قاسم العبادي في حاشيته الآيات البينات بقوله : إن الظاهر أن ما نقله السعد من الإجماع على وجوب النظر في معرفة الله عالى غير مسلم عند الشارح وغيره ألا ترى إلى تمثيل الشارح لمحل الخلاف بقوله : كحدوث العالم ووجود الباري تعالى وما يجب له جل شأنه وما يمتنع عليه سبحانه من الصفات فإن قوله : ووجود الباري تعالى الخ يتعلق بمعرفته عز و جل إلى آخر ما قال نعم قال كثير ورجحه الإمام الرازي والآمدي : إنه يجب لالنظر في مسائل الأعتقاد ومعرفة الله تعالى أسها فيجب فيها بالأولى وقالوا في ذلك لأن المطلوب اليقين لقوله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم : فاعلم أنه لا إله إلا الله وقد علم ذلك وقال تعالى للناس : واتبعوه لعلكم تهتدون ويقاس عير الوحدانية عليها ولا يتم الأستدلال إلا بضم توقف حصول السقين على النظر وهؤلاء لم يجوزوا التقليد في الأصول وهو أحد أقوال في المسئلة ثانيها قول العنبري إنه يجوز التقليد فيها بالعقد الجازم ولا يجب النظر لها لأنه عليه الصلاة و السلام كان يكتفي في الإيمان بالعقد الجازم ويقاس غير الإيمان عليه
والمراد أنه عليه الصلاة و السلام كان يكتفي بذلك نظرا إلى ظاهر الحال فإن الخبر كما صرح به المحقق عيسى الصفوي في شرحه للفوائد الغياثية على ما نقله عنه تلميذه ابن قاسم العبادي في الآيات البينات دال وضعا على صورة ذهنية على وجه الأذعان تحكي الحال الواقعية ولا شك أن لا إله إلا الله محمد رسول الله من قسم الخبر فهما دالان وضعا على أن قائلهما ولو تحت ظلال السيف معتقد لموضمونهما على وجه الأذعان وعدم كونه معتقدا في نفس الأمر احتمال عقلي والمطلع على ما في القلوب علام الغيوب وثالث الأقوال أنه يجب التقليد بالعقد الجازم ويحرم النظر لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان بخلاف التقليد وهذا ليس بشيء أصلا والذي أوجب النظر من المحققين لم يرد به النظر على طريق المتكلمين بل صرح كما في الجواب العتيد للكوراني بأن المعتبر هو النظر على طريق العامة والظاهر أنه ليس مظنة الوقوع فيما ذكر وهل القائل بوجوبه من أولئك جاعل له شرطا لصحة الإيمان أم لا ففيه خلاف فيفهم من بعض

الصفحة 61