كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
عبارات شرح الأربعين لابن حجر أنه جاعل له كذلك فلا يصح إيمان المقلد عنده بل يفهم منها أن النظر المعتبر عند ذلك هو النظر على طريق المتكلمين وكلام الجلال المحلي في شرح جمع الجوامع صريح في أن القائلين بوجوب النظر غير أبي هاشم ليسوا جاعلين النظر شرطا لصحة الإيمان ولا زاعمين بطلان إيمان المقلد بل هو صحيح عندهم مع الإثم بترك النظر الواجب نعم سيأتي إن شاء الله تعالى نقل الإمام حجة الإسلام في كتابه فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة نقل الأشتراط عن طائفة من المتكلمين مع رده
وأما ما نقل عن الشيخ الأشعري من الأشتراط وأنه لا يصح إيمان المقلد فكذب عليه كما قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري وقال التاج السبكي : التحقيق أنه إن كان التقليد أخذا بقول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم فلا يكفي وإن كان جزما فيكفي خلافا لأبي هاشم والظاهر أن القائل بكفاية التقليد مع الجزم يمنع القول بأن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر ويقول : إنها قد تحصل بالإلهام أو التعليم أو التصفية فمن حصل له العقد الجازم بما يجب عليه اعتقاده فقد صح إيمانه من غير إثم لحصول المقصود ومن لم يحصل له ذلك ابتداء أو تقليدا أو ضرورة فالنظر عليه متعين ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها
ويكفي دليلا للصحة اكتفاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم من عوام العجم كأجلاف العرب وإن أسلم أحدهم تحت ظل السيف بمجرد الإقرار بلا إله إلا الله محمد رسول الله الدال بحسب ظاهر حالهم على أنهم يعتقدون مضمون ذلك ويذعنون له ولو كان الأستدلال فرضا لأمروا به بعد النطق بالكلمتين أو علموا الدليل ولقنوه كما لقنوهما وكما عملوا سائر الواجبات ولو وقع ذلك لنقل إلينا فإنه من أهم مهمات الدين ولم ينقل أنهم أمروا أحدا منهم أسلم بترديد نظر ولا سألوه عن دليل تصديقه ولا أرجؤا أمره حتى ينظر فلو كان النظر واجبا على الأعيان ولو إجماليا على طريق العامة لما اكتفى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أولئك العوام والأجلاف بمجرد الإقرار لأن النبي عليه الصلاة و السلام وأصحابه لا يقرون أحدا على ترك فرض العين من غير عذر فلا يكون تاركه آثما فضلا عن أن يكون بتركه غير صحيح الإيمان ويشهد لذلك ما قاله صلى الله تعالى عليه وسلم لأسامة بن زيد عند اعتذاره عن قتل مرداس بن نهيك من أهل فدك وغيره من الأخبار الكثيرة وما في المواقف والمقاصد وشرح المختصر العضدي وغيرها من كتب الكلام والأصول من أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه كانوا يعلمون أنهم أي العوام وأجلاف العرب يعلمون الأدلة إجمالا كما قال الأعرابي : البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير أفسماء ذات أبرج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير أي فلذلك لم يلزموهم النظر ولا سألوهم عنه ولا أرجؤا أمرهم وكل ما كان كذلك لم يكن اكتفاؤهم بمجرد الإقرار دليلا على أن النظر ليس واجبا على الأعيان ولا على أن تاركه غير آثم دعوى لا دليل عليها وحكاية الأعرابي أن كانت مسوقة للأستدلال لا تدل غاية ما في الباب أن ذلك الأعرابي كان عالما بدليل إجمالي ولا يلزم منه أن جميع الأجلاف والعوام كانوا عالمين بالأدلة الإجمالية في عهد النبوة وغيره وإلا لكانت حجة على أنه لا مقلد في الوجود على أن بعضهم أسند ذلك القول إلى قس بن ساعدة وكان في الفترة والجلال المحلى ذكره لأعرابي قاله في جواب الأصمعي وكان في زمن الرشيد بل قد يقال : إن ظاهر كثير من الآيات والأخبار يدل على أن كثيرا من المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام لم يكونوا عالمين بأدلة التوحيد مطلقا وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم : اجعل الآلهة