كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

الها واحدا أن هذا لشيء عجاب
إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون وقول بعضهم في بعض الحروب : أعل هبل أعل هبل وما ذكره المحقق العضد في شرح المختصر من الدليل على عدم جواز التقليد حيث قال : إن الأمة أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى وأنها لا تحصل بالتقليد لثلاثة أوجه أحدها أنه يجوز الكذب على المخبر فلا يحصل بقوله العلم ثانيها أنه لو أفاد العلم لأفاده بنحو حدوث العالم من المسائل المختلف فيها فإذا قلد واحد في الحدوث والآخر في القدم كانا عالمين بهما فيلزم حقيقتهما وأنه محال ثالثهما أن التقليد لو حصل العلم فالعلم بأنه صدق فيما أخبر به إما أن يكون ضروريا أو نظريا لا سبيل إلى الأول بالضرورة فلا بد له من دليل والمفروض أنه لا دليل إذ لو علم صدقه بدليله لم يبق تقليدا تعقبه العلامة الكوراني فقال : فيه بحث أما في الوجه الأول فلأن من جوز التقليد مثل المقلد بمن نشأ على شاهق جبل ولم ينظر في ملكوت السماوات والأرض وأخبره غيره بما يلزمه اعتقاده وصدقه بمجرد إخباره من غير تفكر وتدبر وهو صريح في أن الكلام في مقلد أخبره غيره بما يلزمه اعتقاده وما يلزمه اعتقاده لا يكون إلا صدقا فإن الكذب لا يلزم أحدا اعتقاده وأما من أخبر بالأكاذيب فاعتقدها فهو لم يعتقد إلا أكاذيب والأكاذيب ليست من معرفة الله تعالى في شيء فكيف يحكم عليه أحد من العقلاء بأنه مؤمن بالله تعالى عارف به مع أنه لم يعتقد إلا الأكاذيب وهو ظاهر وأما في الوجه الثاني فلمثل ما مر لأنا لا نقول : إن كل تقليد مفيد للعلم ولا أن كل مقلد عالم كيف وليس كل نظر مفيدا للعلم ولا كل ناظر مصيبا فإذا لم يكن موجبا للعلم مطلقا وإنما الموجب النظر الصحيح فكذلك نقول : ليس كل تقليد مفيدا للعلم وإنما المفيد التقليد الصحيح وهو أن يقلد عالما بمسائل معرفة الله تعالى صادقا فيما يخبره به فإن الكلام إنما هو في صحة إيمان مثل هذا المقلد لا مطلقا وأما في الثالث فلأنا نختار أن علمه بأنه صدق فيما أخبر به ضروري قولكم لا سبيل إليه بالضرورة قلنا : ممنوع لقوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للأسلام وقد روي مرفوعا أنه صلى الله عليه و سلم سئل عن شرح الصدر فقال عليه الصلاة و السلام : نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينفسح فصرح صلى الله عليه و سلم بأنه نور لا يحصل من دليل وإنما يقذفه الله تعالى في قلبه فلا يقدر على دفعه من غير فكر ولا روية ولا نظر ولا استدلال وقد صرح بعض أكابر المحققين بأن توحيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن علم ضروري وجدوه في نفوسهم لم يقدروا على دفعه وبأن من أهل الفترة من وجد كذلك بل قد صرح بأن الإيمان علم ضروري يجده المؤمن في قلبه لا يقدر على دفعه فكم من آمن بلا دليل ومن لم يؤمن مع الدليل وقلما يوثق بإيمان من آمن عن دليل فإنه معرض للشبه القادحة فيه
وفي الباب المائة والأثنين والسبعين والمائة والسبعين والمائتين والسابع والسبعين من الفتوحات المكية ما يؤيد ذلك وقال الإمام حجة الإسلام في فيصل التفرقة : من أشد الناس غلوا وانحرافا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا ولم يعرف الأدلة الشرعية بأدلتنا التي حررناها فهو كافر فهؤلاء ضيقوا رحمة الله تعالى الواسعة على عباده أولا وجعلوا الجنة وقفا على شرذمة يسيرة من المتكلمين ثم جهلوا ما تواترت به السنة ثانيا إذ ظهر من عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم وعصر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين حكمهم بإسلام طوائف من أجلاف العرب كانوا مشغولين بعبادة الوثن ولم يشتغلوا بتعليم الدلائل ولو اشتغلوا بها لم يفهموها ومن ظن أن مدرك الإيمان الكلام والأدلة المحررة والتقسيمات المرتبة فقد أبعد لا بل الإيمان نور يقذفه الله تعالى في قلب عبده عطية وهداية من عنده تارة بتنبه في الباطل لا يمكن التعبير

الصفحة 63