كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
الحسين ومن آذى عترة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بغير حق من غضبهم حقهم فإنه يكون لاعنا له لدخوله تحت العموم دخولا أوليا في نفس الأمر ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوزون لعن من رضي بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد أفلا يتدبرون القرآن أي لا يلاحظونه ولا يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات أم على قلوب أقفالها
24
- تمثيل لعدم وصول الذكر إليها وانكشاف الأمر لها فكأنه قيل : أفلا يتدبرون القرآن إذ وصل إلى قلوبهم أم لم يصل إليها فتكون أم متصلة على مذهب سيبويه وظاهر كلام بعض اختياره
وذهب أبو حيان وجماعة إلى أنها منقطعة وما فيها من معنى بل للأنتقال من التوبيخ بترك التدبر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة لا تقبل التدبر والتفكر والهمزة للتقرير وتنكير القلوب لتهويل حالها وتفظيع شأنها وأمرها في القساوة والجهالة كأنه قيل : على قلوب منكرة لا يعرف حالها ولا يقادر قدرها في القساوة وقيل : لأن المراد قلوب بعض منهم وهم المنافقون فتنكيرها للتبعيض أو للتنويع كما قيل وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لها غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة وقريء إقفالها بكسر الهمزة وهو مصدر من الأفعال و أقفلها بالجمع على أفعل
إن الذين ارتدوا على أدبارهم أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر قال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم وفي إرشاد العقل السليم هم المنافقون الذين وصفوا فيما سلف بمرض القلوب وغيره من قبائح الأحوال فإنهم قد كفروا به عليه الصلاة و السلام من بعد ما تبين لهم الهدى بالدلائل الظاهرة والمعجزات الباهرة القاهرة
وأخرج عبد الرزاق وجماعة عن قتادة أنه قال : هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب يعرفون بعث النبي صلى الله عليه و سلم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به عليه الصلاة و السلام وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال : إن الذين ارتدوا الخ اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمداصص نبي والمختار ما تقدم وأيا ما كان فالموصول اسم إن وجملة قوله تعالى : الشيطان سول لهم خبرها كقولك : إن زيدا عمرو مر به أي سهل لهم ركوب العظائم من السول بفتحتين وهو الأسترخاء استعير للتسهيل أي لعده سهلا هينا حتى لا يبالي به كأنه شبه بإرخاء ما كان مشدودا وقيل : أي حملهم على الشهوات من السول وهو التمني وأصله حملهم على سؤلهم أي ما يشتهونه ويتمونه فالتفعيل للحمل على المصدر كغربه إذا حمله على الغربة إلا أنهم جعلوا المصدر بمعنى اسم المفعول ونقل ذلك عن ابن السكيت
واعترض بأن السول بمعنى التمني من السؤال فهو مهموز والتسويل واوي ومعناه التزيين فلا مناسبة لا لفظا ولا معنى فالقول باشتقاق سول منه خطا ورد بأن السول من السؤال وله استعمالان فيكون مهموزا وهو المعروف ومعتلا يقال سأليسأل كخاف يخاف وقالوا منه : يتساولان بالواو فيجوز كون التسويل من السول على هذه اللغة أو هو على المشهورة خفف بقلب الهمزة ثم التزم ونظيره تدير من الدار لاستمرار