كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
القلب في ديار وكذلك تحيز لاستمرار القلب في حيز ويكون مآل المعنى على هذا حملهم على الشهوات
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما سول لهم مبنيا للمفعول وخرج ذلك على تقدير مضاف أي كيد الشيطان سول لهم وجوز تقديره سول كيده لهم فحذف الضمير المجرور مقامه فارتفع واستتر قيل : وهو أولى لأنه تقدير في وقت الحاجة ولا يخفى أن الأول أقل تكلفا
وأملي لهم
25
- ومد لهم الشيطان في الأماني والآمال ومعنى المد فيها توسيعها وجعلها ممدودة بنفسها أو بزمانها بأن يوسوس لهم بأنكم تنالون في الدنيا كذا مما لا أصل له حتى يعوقهم عن العمل وأصل الإملاء الإبقاء ملاومة من الدهر أي برهة ومنه قيل : المعنى وعدهم بالبقاء الطويل وجعل بعضهم فاعل أملي ضميره تعالى والمعنى أمهلهم ولم يعالجهم بالعقوبة وفيه تفكيك لكن أيد بقراءة مجاهد وابن هرمز والأعمش وسلام ويعقوب وأملي بهمزة المتكلم مضارع أملي فإن الفاعل حينئذ ضميره تعالى على الظاهر والأصل توافق القرائتين وجوز أن يكون ماضيا مجهولا من المزيد سكن آخره للتخفيف كما قالوا في بقي بقى بسكون الياء
وعلى الظاهر جوز أن تكون الواو للأستئناف وأن تكون للحال ويقدر مبتدأ بعدها أي وأنا أملي لئلا يكون شاذا كقمت وأصك وجهه وجوزت الحالية في قراءة الجمهور أيضا على جعل الفاعل ضميره تعالى فحينئذ تقدر قد على المشهور وقرأ ابن سيرين والجحدري وأبو عمرو وعيسى وأملي بالبناء للمفعول فلهم نائب الفاعل أي أمهلوا ومد في أعمارهم وجوز أن يكون ضمير الشيطان والمعنى أمهل الشيطان لهم أي جعل من المنظرين إلى يوم القيامة لأجلهم ففيه بيان لاستمرار ضلالهم وتقبيح حالهم ذلك إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم لا إلى الإملاء كما نقل عن الواحدي ولا إلى التسويل كما قيل لأن شيئا منهما ليس مسببا من القول الآتي وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : بأنهم أي بسبب لنهم قالوا يعني المنافقين للذين كرهوا ما نزل الله هم بنو قريظة والنضير من اليهود الكارهين لنزول القرآن على النبي عليه الصلاة و السلام مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسدا وطمعا في نزوله على أحد منهم سنعطيكم في بعض الأمر أي في بعض أموركم وأحوالكم وهو ما حكي عنهم في قوله تعالى : ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لأخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصركم وقيل : في بعض ما تأمرون به كالتناصر على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : القائلون اليهود الكافرون به صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ما وجدوا نعته الشريف في كتابهم والمقول لهم المنافقون كان اليهود يعدونهم النصرة إذا أعلنوا بعداوة رسول الله عليه الصلاة و السلام وقيل : القائلون أولئك اليهود والمقول لهم المشركون كانوا يعدونهم النصرة أيضا إذا حاربوا وتعقب كلا القولين بأن كفر اليهود به عليه الصلاة و السلام ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم رأى القائل بل من حيث إنكارهم بعثه عليه الصلاة و السلام وقد عرفوه كما عرفوا أبناءهم وآباءهم ومنه يعلم ما في قول بعضهم : إن القائلين هم المنافقون واليهود والمقول لهم المشركون وما فسرنا به الآية الكريمة مروي عن الحبر رضي الله تعالى عنه والله يعلم إسرارهم
26
- أي خفاءهم ما يقولونه لليهود أو كل قبيح ويدخل ذلك دخولا أوليا وقرأ الجمهور أسرارهم بفتح الهمزة أي يعلم الأشياء التي يسرونها ومنها قولهم