كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

هذا الذي أظهره سبحانه لتفضيحهم وقال الإمام : الأظهر أن يقال المراد يعلم سبحانه ما في قلوبهم من العلم بصدق رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه ما لا يخفى والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للوعيد والفاء في قوله سبحانه : فكيف إذا توفتهم الملائكة لترتيب ما بعدها على ما قبلها وكيف منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظرف كأنه قيل : يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة وقيل : مرفوع على أنه خبر لمبتدأمحذوف أي فكيف حالهم أو حيلتهم إذا توفتهم الخ وزعم الطبري أن التقدير فكيف علمه تعالى بأسرارهم إذا توفتهم الخ وليس بشيء ووقت التوفي هو وقت الموت والملائكة عليهم السلام ملك الموت وأعوانه وقرأ الأعمش توفاهم بالألف بدل التاء فاحتمل أن يكون ماضيا وأن يكون مضارعا حذف منه أحد تاءيه والأصل تتوفاهم يضربون وجوههم وأدبارهم
27
- حال من الملائكة وجوز كونه حالا من ضمير توفتهم وضعفه أبو حيان وهو على ما قيل تصوير لتوفتهم على أهوال الوجوه وأفظعها وإبراز لما يخافون منه ويجبنون عن القتال لأجله فإن ضرب الوجوه والأدبار في القتال والجهاد مما يتقي وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لا يتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره والكلام على الحقيقة عنده ولا مانع من ذلك وإن لم يحس بالضرب من حضر وما ذلك إلا كسؤال الملكين وسائر أحوال البرزخ
والمراد بالوجه قيل العضوان المعروفان أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال : يضربون وجوههم وأستاههم ولكن الله سبحانه كريم يكنى وقال الراغب وغيره : المراد القدام والخلف وقيل : وقت التوفي وقت سوقهم في القيامة إلى النار والملائكة ملائكة العذاب يومئذ وقيل : هو وقت القتال الملائكة ملائكة النصر تضرب وجوههم أن ثبتوا وأدبارهم إن هربوا نصرة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكلا القولين كما ترى ذلك التوفي الهائل بأنهم أي بسبب أنهم اتبعوا ما أسخط الله من الكفر والمعاصي وكرهوا رضوانه نا يرضاه عز و جل من الإيمان والطاعات حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع إخوانهم اليهود : ما أسخط الله كتمان نعت الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ورضوانه ما يرضيه سبحانه من إظهار ذلك وهو مبني على ما تقدم إخبار عن اليهود وقد سمعت ما فيه ولما كان اتباع ما أسخط الله تعالى مقتضيا للتوجه ناسب ضرب الوجه وكراهة رضوانه سبحانه مقتضيا للأعراض ناسب ضرب الدبر ففي الكلام مقابلة بما يشبه اللف والنشر فأحبط لذلك أعمالهم
28
- التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات وجوز أن يراد ما كان بعد أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا يها
أم حسب الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون الذين فصلت الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مدارا لما نعي عليهم بقوله تعالى : أن لن يخرج الله أضغانهم
29
- فأم منقطعة وأن مخففة من أن واسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها والأضغان جمع ضغن وهو الحقد وقيده الراغب بالشديد وقد ضغن بالكسر وتضاغن القوم واضطغنوا أبطنوا الأحقاد ويقال : أضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك وأنشد الأحمر
كأنه مضطغن صبيا
وفرس ضاغن لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب وأصل الكلمة من الضغن وهو الألتواء والأعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء قال بشر : كذت الضغن تمشي في الرقاق وأنشد الليث

الصفحة 76