كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

عادوه من بعد ما تبين لهم الهدى لما شاهدوا من نعته عليه الصلاة و السلام في التوراة أو بما ظهر على يديه صلى الله عليه و سلم من المعجزات ونزل عليه عليه الصلاة و السلام من الآيات وهم بنو قريظة والنظير أو المطعمون يوم بدر وقد تقدم ذكرهم وقيل : أناس نافقوا بعد أن آمنوا لن يضروا الله بكفرهم وصدهم شيئا من الأشياء أو شيئا من الضرر أو لن يضروا رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشاقته شيئا وقد حذف المضاف لتعظيمه عليه الصلاة و السلام بجعل مضرته وما يلحقه كالمنسوب إلى الله تعالى وفيه تفظيع مشاقته صلى الله تعالى عليه وسلم
وسيحيط أعمالهم
32
- في مكايدهم التي نصبوها في إبطال دينه تعالى ومشاقة رسوله عليه الصلاة و السلام فلا يصلون بها إلى ما كانوا يبغون من الغوائل ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم ونحو ذلك وجوز أن يراد أعمالهم التي عملوها في دينهم يرجون بها الثواب
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم
33
- قيل : إن بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا كأنهم منوا بذلك فنزلت فيهم هذه وقوله تعالى : يمنون عليم أن أسلموا ومن هنا قيل المعنى لا تبطلوا أعمالكم بالمن وبالأسلام وعن ابن عباس بالرياء والسمعة وعنه أيضا بالشك والنفاق وقيل بالعجب فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقيل : المراد بالأعمال الصدقات أي تبطلوها بالمن والأذى وقيل : لا تبطلوا طاعاتكم بمعاصيكم أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه في الآية : من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعمل سوء فليفعل ولا قوة إلا بالله تعالى وأخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم فخافوا أن يبطل الذنب العمل ولفظ عبد ابن حميد فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم وأخرج ابن نصر وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا معاشر أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبولا حتى نزلت أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش فكما إذا رأينا من أصحاب شيئا منها قلنا : قد هلك حتى نزلت هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئا رجونا له واستدل المعتزلة بالآية على أن الكبائر تحبط الطاعات بل الكبيرة الواحدة تبطل مع الأصرار الأعمال ولو كانت بعدد نجوم السماء وذكروا في ذلك من الأخبار ما ذكروا وفي الكشف لا بد في هذا المقام من تحرير البحث بأن يقال : إن أراد المعتزلة أن نحو الزنا إذا عقب الصلاة يبطل ثوابها مثلا لا دليل عليه نقلا وعقلا بل هما متعادلان على ما دل عليه صحاح الأحاديث وكفى بقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره حجة بالغة وإن أرادوا أن عقابه قد يكبر حتى لا يعاد له صغار الحسنات فهذا صحيح والكلام حينئذ في تسميته أحباطا ولا بأس به لكن عندنا أن هذا الأحباط غير لازم وعندهم لازم وهو مبني على جواز العفو وهي مسئلة

الصفحة 79