كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

أنهم يقولون : والله ربنا ما كنا مشركين وتعقب بأن السياق لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه ولأن كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفرا خلاف الظاهر وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات أي واضحات أو مبينات ما يلزم بيانه قال الذين كفروا للحق أي الآيات المتلوه ووضع موضع ضميرها تنصيصا على حقيتها ووجوب الإيمان بها كما وضع الموصول موضع المتلو عليهم تسجيلا عليهم بكمال الكفر والضلالة
وجوز كون المراد بالحق بالنبوة أو الإسلام فليس فيه موضوعا موضع الضمير والأول أظهر واللام متعلقة بقال على أنها لام العلة أي قالوا لأجل الحق وفي شأنه وما يقال في شأن شيء مسوق لأجله وجوز تعلقه بكفروا على أنه بمعنى الباء أو حمل الكفر على نقيضه وهو الإيمان فإنه يتعدى باللام نحو أنؤمن لك وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى لما جاءهم أي في وقت مجيئه إياهم ويفهم منه في العرف المبادرة وتستلزم عدم التأمل والتدبر فكأنه قيل : بادروا أول سماع الحق من غير تأمل إلى أن قالوا : هذا سحر مبين
7
- أي ظاهر كونه سحرا وحكمهم بذلك على الآيات لعجزهم عن الإتيان بمثلها وعلى النبوة لما معها من الخارق للعادة وعلى الإسلام لتفريقه بين المرء وزوجه وولده أم يقولون افتراه إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة إلى حكاية ما هو أشنع منها وهو الكذب عمدا على الله تعالى فإن الكذب خصوصا عليه عز و جل متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من الأمور المرغوبة وما في أم المنقطعة من الهمزة معنى للإنكار التوبيخي المتضمن للتعجب من نسبته إلى الإفتراء مع قولهم : هو سحر لعجزهم عنه والضمير المنصوب في افتراه كما قال أبو حيان للحق الذي هو الآيات المتلوة وقال بعضهم : للقرآن الدال عليه ما تقدم أي بل أيقولون افتراه
قل إن افتريته على الفرض فلا تملكون لي من الله شيئا أي عاجلني الله تعالى بعقوبة الأفتراء عليه سبحانه فلا تقدرون على كفه عز و جل عن معالجتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه سبحانه عني فكيف افتيرته وأتعرض لعقابه فجواب إن في الحقيقة محذوف وهو عاجلني وما ذكر مسبب عنه أقيم مقامه أو تجوز به عنه هو أعلم بما تفيضون فيه بالذي تأخذون فيه من القدح في وحي الله تعالى والطعن في آياته وتسميته سحر تارة وافتراه أخرى واستعمال الإفاضة في الأخذ في الشيء والشروع فيه قولا كان أو فعلا مجاز مشهور وأصلها إسالة الماء يقال : أفاض الماء إذا أساله وما أشرنا إليه من كون ما موصولة وضمير فيه عائد عليه هو الظاهر وجوز كون ما مصدرية وضمير فيه للحق أو للقرآن كفى به شهيدا بيني وبينكم حيث يشهد لي سبحانه بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود وهو وعيد بجزاء إفاضتهم في الطعن في الآيات واستؤنف لأنه في جواب سؤال مقدر و به في موضع الفاعل بكفى على أصح الأقوال و شهيدا حال و بيني وبينكم متعلق به أو بكفى وهو الغفور الرحيم
8
- وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله تعالى عليهم إذ لم يعاجلهم سبحانه بالعقوبة وأمهلهم جل شأنه ليتداركوا أمورهم قل ما كنت بدعا من الرسل أي بديعا منهم يعني لست مبتدعا لأمر يخالف أمورهم بل جئت بما جاؤا به من الدعوة إلى التوحيد أو فعلت نحو ما فعلوا من إظهار ما آتاني الله تعالى من المعجزات دون الإتيان بالمقترحات كلها فقد قيل : إنهم كانوا

الصفحة 8