كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

والجملة قيل معطوفة على قوله تعالى : معكم وهي وإن تقع حالا استقلالا لتصديرها بحرف الأستقبال المنافي للحال على ما صرح به العلامة التفتازاني وغيره لكنه يغتفر التابع ما لا يغتفر في غيره وقيل : المانع من وقوع المصدرة بحرف الأستقبال حالا مخالفته للسماع وإلا فلا مانع من كونها حالا مقدرة مع أنه يجوز أن تكون لن لمجرد تأكيد النفي والظاهر أن المانعين بنوا المنع على المنافاة وإنها إذا زالت باعتبار أحد الأمرين فلا منع لكن قيل : إن الحال المقصود منها بيان الهيئة على الحال الذي هو أحد الأزمنة والمنافاة إنما هي بين هذا الحال والأستقبال وهذا نظير ما قال مجوزو مجيء الجملة الماضية حالا بدون قد وما لذلك وما عليه في كتب النحو وإذا جعلت الجملة قبل مستأنفة لم يكن إشكال في العطف أصلا
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو لا ثبات لها ولا اعتداد بها وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم أي ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات التي يتنافس فيها المتنافسون ولا يسألكم أموالكم
36
- عطف على الجزاء والأضافة للأستغراق والمعنى إن تؤمنوا لا يسألكم جميع أموالكم كما يأخذ من الكافر جميع ما له وفيه مقابلة حسنة لقوله تعالى : يؤتكم أجوركم كأنه قيل : يعطكم كل الأجور ويسألكم بعض المال وهو ما شرعه سبحانه من الزكاة وقول سفيان بن عيينة أي لا يسألكم كثيرا من أموالكم إنما يسألم ربع العشر فطيبوا أنفسكم بيان لحاصل المعنى وقيل : أي لا يسألأكم ما هو ما لكم حقيقة وإنما يسألأكم ما له عز و جل وهو المالك لها حقيقة وهو جل شأنه المنعم عليكم بالأنتفاع بها وقيل : أي لا يسألكم أموالكم لحاجته سبحانه إليها بل ليرجع اتفاقكم إليكم وقيل : أي لا يسألكم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا من أموالكم أحرا على تبليغ الرسالة كما قال تعالى : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ووجه التعليق عليها غير ظاهر وفي بعضها أيضا ما لا يخفى إن يسألكموها أي أموالكم فيحفكم فيجهدكم بطلب الكل فإن الإخفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال : أحفاه في المسئلة إذا لم يترك شيئا من الإلحاق وأحفى شاربه استأصله وأخذه أخذا متناهيا وأصل ذلك على ما قال الراغب : من أحفيت الدابة جعلته حافيا أي منسحج الحافر والبعير جعلته منسج الفرسن من المشي حتى يرق تبخلوا جواب الشرط والمراد بالبخل هنا ترك الأعطاء إذ هو على المعنى المشهور أمر طبيعي لا يترتب على السؤال ويخرج أضغانكم
37
- أي أحقادكم لمزيد حبكم للمال وضمير يخرج لله تعالى ويعضده قراءة يعقوب ورويت أيضا عن ابن عباس ونخرج بالنون مضمومة وجوز أن يكون للسؤال أو للبخل فإنه سبب إخراج الأضغان والأسناد على ذلك مجازي وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو ويخرج بالرفع على الأستئناف وجوز جعل الجملة حالا بتقدير وهو يخرج وحكاها أبو حاتم عن عيسى وفي اللوامح عن عبد الوارث عن أبي عمرو ويخرج بالياء التحتية وفتحها وضم الراء والجيم أضغانكم بالرفع على الفاعلية
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن سيرين وابن محيصن وأيوب بن المتوكل واليماني وتخرج بتاء التأنيث ورفع أضغانكم وقريء ويخرج بضم الياء التحتية وفتح الراء أضغانكم رفعا على النيابة عن الفاعل وهي

الصفحة 81