كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن فالواو عاطفة على مصدر متصيد أي يكن بخلكم وإخراج أضغانكم
ها أنتم هؤلاء أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعالى : إن يسألكموها الخ والجملة مبتدأ وخبر وكررت ها التنبيهية للتأكيد وقوله سبحانه : تدعون لتنفقوا في سبيل الله الخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما فإن دعوتهم للأنفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الأعطاء المذكور مجملا أولا أو أصله لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولا مطلقا عند الموفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولا إلا إذا تقدمه ما الأستفهامية باتفاق أو من الأستفهامية باختلاف والإنفاق في سبيل الله تعالى هو الأنفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقا فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصا بالأنفاق للغزو أو بالزكاة كما قيل
فمنكم من يبخل أي ناس يبخلون ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال : بخلت عليه وبخلت عنه لأنه البخل عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والأضرار فناسب أن يعدي بعن للأول وبعلى للثاني وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل وقال الطيبي : يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى : ومن يوق شح نفسه وهو كما ترى والله الغني لا غيره عز و جل وأنتم الفقراء الكاملون في الفقر فيما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المذاق التي لا تقتضي الحكمة أيضا لها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم وقوله تعالى : وإن تتولوا عطف على قوله سبحانه : إن تؤمنوا أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى يستبدل قوما غيركم يخلق مكانكم قوما آخرين وهو كقوله تعالى : يأت بخلق جديد ثم لا يكونوا أمثالكم
38
- في التولي عن الإيمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما
وثم للتراخي حقيقة أو لبعد المرتبة عما قبل والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس فقد أخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذه الآية وإن تتولوا الخ فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا فضرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال : هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس
وجاء في رواية ابن مردويه عن جابر الدين بدل الإيمان وقيل : هم الأنصار وقيل : أهل اليمن وقيل : كندة والنخع وقيل : العجم وقيل : الروم وقيل : الملائكة وحمل القوم عليهم بعيد في الأستعمال وحيث صح الحديث فهو مذهبي
والخطاب لقريش أو لأهل المدينة قولان والظاهر أنه للمخاطبين قبل والشرطية غير واقعة فعن الكلبي شرط في الأستبدال توليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل سبحانه قوما غيرهم والله تعالى أعلم ومما قاله بعض أرباب الأشارة في بعض الآيات يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم نصرة الله تعالى من العبد على وجهين صورة ومعنى أما نصرته تعالى في الصورة فنصرة دينه جل شأنه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه بالجهاد عليه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه وأما نصرته في المعنى فبا فناء الناسوت

الصفحة 82