كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

ما يدل على أنها بضجنان ونقل ذلك عن البقاعي وضجنان بضاد معجمة وجيم ونونين بينهما ألف بزنة سكران كما في القاموس جبل قرب مكة وهذا ونحوه قول بنزولها بين مكة والمدينة ومثل ذلك يعد مدنيا على المشهور وهو أن المدني ما نزل بعد الهجرة سواء نزل بالمدينة أم بمكة أم بسفر من الأسفار والمكي ما نزل قبل الهجرة وأما على القول بأن المكي ما نزل ولو بعد الهجرة بمكة ويدخل فيها كما قال الجلال السيوطي نواحيها كمنى وعرفات والحديبية بل بعضها على ما في الهداية وأكثرها على ما قال المحب الطبري من حرم مكة والمدني ما نزل بالمدينة ويدخل فيها كما قال أيضا نواحيها كأحد وبدر وسلع فلا بل يعد على القول بأنه نزل قرب مكة مكيا فالقول بأن السورة مدنية بلا خلاف فيه نظر ظاهر وهي تسع وعشرون آية بالأجماع ولا يخفى حسن وضعها هنا لأن الفتح بمعنى النصر مرتب على القتال وفي كل من ذكر المؤمنين المخلصين والمنافقين والمشركين ما فيه وقد ذكر أيضا في الأولى الأمر بالأستغفار وذكر هنا وقوع المغفرة وذكرت الكلمة الطيبة هناك بلفظها الشريف وكني عنها بكلمة التقوى بناء على أشهر الأقوال فيها وستعرفها إن شاء الله تعالى إلى غير ذلك وفي البحر وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدم وإن تتولوا الآية وهو خطاب لكفار قريش أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم بالفتح العظيم وأنه بهذا الفتح حصل الأستبدال وأمن كل من كان بمكة وصارت دار إيمان وفيه ما لا يخفى وفي الأخبار السابقة ما يدل على جلالة قدرها وفي حديث مجمع بن جارية الذي أخرجه عنه ابن سعد لما نزل بها جبريل عليه السلام قال : نهنيك يا رسول الله فلما هناه جبريل عليه السلام هناه المسلمون ويحكى أنه من قرأها أول ليلة من رمضان حفظ ذلك العام ولم يثبت ذلك في خبر صحيح والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك إخبار عن صلح الحديبية عند الجمهور وروي ذلك عن ابن عباس وأنس والشعبي والزهري قال ابن عطية : وهو الصحيح وأصل الفتح إزالة الإغلاق وفتح البلد كما في الكشاف الظفر به عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره لأنه منغلق ما لم يظفر به فإذا ظفر به وحصل في اليد فقد فتح وسمي ذلك الصلح فتحا لاشتراكهما في الظهور والغلبة على المشركين فإنهم كما قال الكلبي ما سألوا الصلح إلا بعد أن ظهر المسلمون عليهم وعن ابن عباس أن المسلمين رموهم أي بسهام وحجارة كما قيل حتى أدخلوهم ديارهم أو لأن ذلك الصلح صار سببا لفتح مكة قال الزهري : لم يكن أعظم من صلح الحديبية اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلامهم وتمكن الإسلام من قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الأسلام قال القرطبي : فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاؤا إلى مكة في عشرة الآف ففتحوها والتسمية على الأول من باب الأستعارة التبعية كيفما قررت وعلى الثاني من باب المجاز المرسل سواء قلنا إنه مثل تبعي أم لا حيث سمي السبب باسم المسبب ولا مانع من أن يكون بين شيئين نوعان من العلاقة فيكون استعمال أحدهما في الآخر باعتبار كل نوعا من المجاز كما في المشفر والشفة الغليظة لأنسان وإسناد الفتح المراد به الصلح الذي هو فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه عز و جل مجاز من إسناد ما للقابل للفاعل الموجد وفي ذلك من تعظيم شأن الصلح والرسول عليه الصلاة و السلام ما فيه لا يقال قد تقرر في الكلام أن الأفعال كلها مخلوقة له تعالى فنسبة الصلح إليه سبحانه إسناد إلى ما هو له فلا مجاز لأنا نقول : ما هو له عبارة عما كان الفعل حقه أن يسند إليه في العرف سواء كان مخلوقا له تعالى أو لغيره عز و جل كما صرح به السعد في المطول وكيف لا ولو كان كذلك لكان إسناد جميع الأفعال إلى غيره تعالى مجازا وإليه حقيقة كالصلاة والصيام وغيرهما

الصفحة 84