كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

بالأعتناء وتعظيم الشأن حتى قيل : إن إسناده إليه تعالى لكونه من الأمور الغريبة العجيبة التي يخلقها الله تعالى على يد أنبيائه عليهم السلام كالرمي بالحصى المشار إليه بقوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وهذا خلاف الظاهر والمشهور أن في الكلام مجازا عقليا وفيه الأحتمالات السابقة
وقال بعض المحققين : يمكن أن يقال : لعل الإرادة ههنا معتبرة إما على سبيل الحذف أو على المجاز المرسل كما في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة الآية وقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله عند أكثر الأئمة ومثل هذا التأويل قيل : مطرد في الأفعال الأختيارية وزعم بعضهم أن الفتح مجاز عن تيسيره وذكر بعض الصدور في توجيه التأكيد بأن ههنا أنه قد يجعل غير السائل بمنزلة السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بالخبر وصرحوا بأن الملوح لا يلزم أن يكون كلاما وقد ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم أنه عليه الصلاة و السلام رأى في المنام أنه وأصحابه رضي الله تعالى عنهم دخلوا مكة آمنين فصار المقام مقام أن يتردد في الفتح فألقي إليه عليه الصلاة و السلام الكلام مؤكدتا كما يلقى إلى السائل كذلك وجوز أن يكون لرد الإنكار بناء على تحققه من المشركين فإنهم كانوا يزعمون أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يستولي على مكة كما يستول عليها من أراد الإستيلاء عليها قبله عليه الصلاة و السلام وهو كما ترى وذكر بعض أجلة القائلين بأن المراد به فتح مكة أن الكلام وعد بفتحها فقيل إن الجملة حينئذ إخبار وقيل : إنها إنشاء واستشكل بما صرح به الرضي من أن الجمل الإنشائية منحصرة بالأستقراء في الطلبية والإيقاعية والوعد ليس شيئا منهما أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن مجرد قولك لأكرمنك مثلا لا يقع به الإكرام وقال بعض الصدور أن كلامهم مضطرب في كون الوعد إنشاء أو إخبار ويمكن التوفيق بأن يقال : أصل الوعد إنشاء لأنه إظهار أمر في النفس يوجب سرور المخاطب وما يتعلق به الوعد وهو الموعود إخبار نظيره قول النحاة كأن لأنشاء التشبيه مع أن مدخولها جملة خبرية
وقال الخفاجي : هذا ناشيء من عدم فهم المراد منه فإن قيل : المراد من لأكرمنك مثلا إكرام في المستقبل فهو خبر بلا مرية وإن قيل : معناه العزم على إكرامه وتعجيل المسرة بإعلامه فهو إنشاء وأقول لا يخفى أن الأخبار أصل للأنشاء وقد صرح بذلك العلامة التفتازاني في المطول وليست هيئة المركب دالة على أنه إنشاء وليس فيه ما يدل بمادته على ذلك فيمكن أن يقال : إنه إخبار قصد به تعجيل المسرة وإن ذلك لا يخرجه عن الأخبار نظير ما قيل في قوله تعالى : رب إني وضعتها أنثى ونحوه فتدبر والتعبير عن ذلك بالماضي لتحققه وفيه من تسلية قلوب الأصحاب وتسليتهم حيث صاروا محزونين غاية الحزن من تأخير الفتح ما فيه وهذا التعبير من قبيل الأستعارة التبعية على ما حققه السيد السند في حواشي المطول حيث قال : أعلم أن التعبير عن المضارع بالماضي وعكسه يعد من باب الأستعارة بأن يشبه غير الحاصل بالحاصل في تحقق الوقوع ويشبه الماضي بالحاضر في كونه نصب العين واجب المشاهدة ثم يستعار لفظ أحدهما للآخر فعلى هذا تكون استعارة الفعل على قسمين أحدهما أن يشبه الضرب الشديد مثلا بالقتل ويستعار له اسمه ثم يشتق منه قتل ضرب ضربا شديدا والثاني أن يشبه الضرب المستقبل بالضرب في الماضي مثلا في تحقق الوقوع فيستعمل فيه ضرب المعنى المصدري أعني الضرب موجودا في كل واحد من المشبه والمشبه به لكنه قيد في كل منهما بقيد يغاير الآخر فصح التشبيه لذلك
وقال المحقق ميرزاجان يمكن توجيه الأستعارة ههنا بوجه آخر وهو أن يشبه الزمان المستقبل بالزمان الماضي ووجه الشبه أنه كما أن الثاني ظرف أمر محقق الوقوع كذلك الزمان الأول واللفظ الدال على الزمان الثاني وهو لفظ

الصفحة 87