كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
أفعاله تعالى معلل بالحكم والمصالح وذلك ظاهر والنصوص شاهدة به وأما تعميم ذلك بأنه لا يخلو فعل من أفعاله سبحانه من غرض فمحل بحث وذكر الأصفهاني في شرح الطوالع في هذه المسئلة خلافا للمعتزلة وأكثر الفقهاء وأنا أقول : بما ذهب إليه السلف لوجود التعليل فيما يزيد على عشرة آلاف آية وحديث والتزام تأويل جميعها خروج عن الأنصاف ما يذكره الحاضرون من ألأدلة يدفع بأدنى تأمل كما لا يخفى على من طالع كتب السلفين عليهم الرحمة وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة لكن لجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل : يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين الدارين وأغراض العاجل والآجل وحاصله كما قال العلامة أن الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة وإتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز وتحقيقه كما قال إن العطف على المجرور باللام قد يكون للأشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام وعطف على جار ومجرور وقد يكون للأشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقر في مقامك وتفيض علي من أنعامك أي لاجتماع الأمرين ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما واستظهر دفعا لتوهم أنه إذا كان المقصود البعض فذكر الباقي لغو أن يقال : لا يخلو كل منهما أن يكون مقصودا بالذات وهو ظاهر أو المقصود البعض وحينئذ فذكر غيره إما لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به أو ترتبه عليه فيذكر للأشعار بأنهما كشيء واحد كقوله تعالى : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وقولك : أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه ولا زمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه وظاهر كلام الزمخشري أن المقصود فيما نحن فيه تعليل الهيئة الأجتماعية فحسب فتأمل لتعرف أنه من أي الأقسام هو واعلم أن المشهور كون العلة ما دخلته اللام لا ما تعلقت به كما هو ظاهر عبارة الكشاف لكن حقق أنها دخلت على الغاية صح أن يقال : ما بعدها علة ويراد بحسب التعقل وأن يقال : ما تعلقت به على بحسب الوجود فلا تغفل وزعم صاحب الغنيان أن اللام ههنا هي لام القسم وكسرت وحذف النون من الفعل تشبيها بلام كي ورد بأن القسم لا تكسر ولا ينصب بها فإنه لم يسمع والله ليقوم زيد على معنى ليقومن زيد وانتصر له بأن الكسر قد علل بتشبيهها بلام كي
وأما النصب فله أن يقول فيه : بأنه ليس نصبا وإنما هو الحركة التي تكون مع وجود النون بقيت بعد حذفها دلالة على الحذف وأنت تعلم أنه لا يجدي نفعا مع عدم السماع هذا والألتفات إلى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات قيل : للأشعار بأن كل واحد مما انتم في سلك الغاية من أفعاله تعالى صادر عنه عز و جل من حيثية غير حيثية الآخر مترتبة على صفة من صفاته جل شأنه
وقال الصدر لا يبعد أن يقال : إن التعبير عنه تعالى في مقام المغفرة بالأسم الجليل المشعر بصفات الجمال والجلال يشعر بسبق مغفرته تعالى على عذابه وفي البحر لما كان الغفران وما بعده يشترك في إطلاقه الرسول عليه الصلاة و السلام وغيره لقوله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله سبحانه : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وقوله تعالى : يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وقوله عز و جل : يهدي من يشاء وقوله تبارك وتعالى : إنهم المنصورون وكان الفتح مختصا بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أسنده الله تعالى إلى نون العظمة تفخيما لشأنه وأسند تلك الأشياء إلى الأسم الظاهر وضميره