كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
وهو كما ترى وإن قاله الإمام أيضا وأقول : يمكن أن يكون في إسناد المغفرة إليه تعالى بالأسم الأعظم بعد إسناد الفتح إليه تعالى بنون العظمة إيماء إلى أن المغفرة مما يتولاها سبحانه بذاته وأن الفتح مما يتولاه جل شأنه بالوسائط وقد صرح بعضهم بأن عادة العظماء أن يعبروا عن أنفسهم بصيغة المتكلم مع الغير لأن ما يصدر عنهم في الأكثر باستخدام توابعهم ولا يعترض بأن النصر كالفتح وقد أسند إلى الأسم الجليل لما لا يخفى عليك وتقديم لك على المفعول الصريح أعني قوله تعالى : ما تقدم من ذنبك وما تأخر لما مر غير مرة و ما للعموم والمتقدم والمتأخر للأحاطة كناية عن الكل والمراد بالذنب ما فرط من خلاف الأولى بالنسبة إلى مقامه عليه الصلاة و السلام فهو من قبيل حسنات الأبرار سيآت المقربين وقد يقال : المراد ما هو ذنب في نظره العالي صلى الله تعالى عليه وسلم وإن لم يكن ذنبا ولا خلاف الأولى عنده تعالى كما يرمز إلى ذلك الأضافة
وقال الصدر : يمكن أن يكون قوله تعالى : ليغفر الخ كناية عن عدم المؤاخذة أو من باب الأستعارة التمثيلية من غير تحقق معاني المفردات وأخرج ابن المنذر عن عامر وأبي جعفر أنهما قالا : ما تقدم في الجاهلية وما تأخر في الأسلام وقيل ما تقدم من حديث ماريةوما تأخر من امرأة زيد وليس بشيء مع أن العكس أولى لأن حديث امرأة زيد متقدم وفي الآية ما عهد من حاله صلى الله تعالى عليه وسلم من كثرة العبادة ما يدل على شرف مقامه إلى حيث لا تحيط به عبارة وقد صح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما نزلت صام وصلى حتى انتفخت قدماه وتعبد حتى صار كالشن البالي فقيل له : أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك أو ما تأخر فقال عليه الصلاة و السلام : أفلا أكون عبدا شكورا ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وانتشاره في البلاد وغير ذلك مما أفاضه تعالى عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من النعم الدينية والدنيوية ويهديك صراطا مستقيما
2
- في تبليغ الرسالة وإقامة الحدود قيل : إن أصل الأستقامة وإن كان حاصلا قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق واستقامة مناهجه ما لم يكن حاصل قبل وينصرك الله إظهار الاسم الجليل مع النصر قيل : لكونه خاتمة العلل أو الغايات ولأظهار كمال العناية بشأنه كما يعرب عنه إردافه بقوله تعالى : نصرا عزيزا
3
- وقال الصدر : أظهر الأسم في الصدر وهنا لأن المغفرة تتعلق بالآخرة والنصر يتعلق بالدنيا فكأنه أشير بإسناد المغفرة والنصر إلى صريح اسمه تعالى إلى أن الله عز و جل هو الذي يتولى أمرك في الدنيا والآخرة وقال الإمام : أظهرت الجلالة هنا إشارة إلى أن النصر لا يكون إلا من عند الله تعالى كما قال تعالى : وما النصر إلا من عند الله وذلك لأن النصر بالصبر والصبر بالله قال تعالى : وما صبرك إلا بالله لأنه سكون القلب واطمئنانه وذلك بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب والعزيز بحسب الظاهر هو المنصور وحيث وصف به النصر فهو إما للنسبة وإن كان المعروف فيها فاعلاكلا بن وفعالا كبزاز أي نصرا فيه عز ومنعة أو فيه تجوز في الأسناد من باب وصف المصدر بصيغة المفعول وهو المنصور هنا نحو عذاب أليم في قول لا الفاعل وهو الناصر لما قيل من عدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور لا المتكلم الناصر وفيه شيء وقيل : الكلام بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه وهو المنصور وفيه تكلف الحذف والإيصال
وقد يقال : يحتاج إلى شي مما ذكر إذ لا مانع من وصف النصر بالعزيز على ما هو الظاهر بناء على أحد معاني العزة