كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
من مقولة الكم وإنما هو كيف أو انفعال أو إضافة وتعلق بين العالم والمعلوم أو صفة ذات إضافة والأشهر أنه كيف فمتى صح ذلك وقلنا بمغايرة الشدة والضعف للزيادة والنقص فلا بأس بحملهما في النصوص وغيرها على الشدة والضعف وذلك مجاز مشهور وإنكار اتصاف الإيمان بهما يكاد يلحق بالمكابرة فتأمل وذكر بعضهم هنا أن الإيمان الذي هو مدخول مع هو الإيمان الفطري والإيمان المذكور قبله الإيمان الأستدلالي فكأنه قيل : ليزدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري وفيه من الخفاء ما فيه ولله جنود السماوات والأرض يدبر أمرها كيفما يريد فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع سبحانه بينهما السلم أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ومن قضية ذلك ما وقع في الحديبية وكان الله عليما مبالغا في العلم بجميع الأمور حكيما
4
- في تقديره وتدبيره عز و جل
وقوله سبحانه ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها متعلق بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السماوات والأرض له جل شأنه من معنى التصرف والتدبير وقد صرح بعض الأفاضل بأنه كناية عنه أي دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله تعالى في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة فالعلة في الحقيقة معرفو النعمة وشكرها لكنها لما كانت سببا لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب
وقيل : متعلق بفتحنا وقيل : بإنزل وتعلقه بذلك مع تعلق اللام الأخرى به مبني على تعلق الأول به مطلقا والثاني مقيدا وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين وإلا فلا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع وقيل : متعلق بينصرك وقيل : بيزداد وقيل : بجميع ما ذكر إما على التنازع والتقدير أو بتقدير ما يشتمل ذلك كفعل سبحانه ما ذكر ليدخل الخ وقيل : هو بدل من ليزداد بدل اشتمال فإن إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وكذا ما عطف عليه مستلزم لزيادة الإيمان وبدل الأشتمال يعتمد على ملابسة ما بين المبدل والمبدل منه بحيث يشعر أحدهما بالآخر غير الكلية والبعضية ولعل الأظهر الوجه الأول وضم المؤمنات ههنا إلى المؤمنين دفعا لتوهم اختصاص الحكم بالذكور لأجل الجهاد والفتح على أيديهم وكذا في موضع يوهم الأختصاص يصرح بذكر النساء ويقال نحو ذلك فيما بعد كذا قيل وأخرج ابن جرير وجماعة عن أنس قال : أنزلت على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر في مرجعه من الحديبية فقال : لقد أنزلت على آية هي أحب إلي مما على الأرض ثم قرأها عليهم فقالوا : هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله عالى لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات حتى بلغ فوزا عظيما
ويكفر عنهم سيئاتهم أي يغطيها ولا يظهرها والمراد بمحوها سبحانه ولا يؤاخذهم بها وتقديم الأدخال في الذكر على التكفير مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلوب إلا على كذا قال غير واحد ويجوز عندي أن يكون التكفير في الجنة على أن المعنى يدخلهم الجنة ويغطي سيئاتهم ويسترها عنهم فلا تمر لهم ببال ولا يذكرونها أصلا لئلا يخجلوا فيتكدر صفو عيشم وقد مر مثل ذلك
وكان ذلك أي ما ذكر من الأدخال والتكفير عند الله فوزا عظيما
5
- لا يقادر قدره لأنه منتهى ما تمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر و عند الله حال من فوزا لأنه صفة النكرة إذا قدمت عليها