كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
الإيمان حينئذ والزيادة على ما لم يكمل بعد محال وأجيب بأن هذا إنما يتوجه على المعتزلة والخوارج القائلين بالنتفاء شيء من الأعمال والجماعة إنما يقولون : إنها شرط كمال في الإيمان فلا يلزم عند الأنتفاء إلا انتفاء الكمال وهو قادح في أصل الإيمان
وقال النووي وجماعة محققون من علماء الكلام : إن الإيمان بمعنى التصديق القلبي يزيد وينقص أيضا بكثرة النظر ووضوح الأدلة وعدم ذلك ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريه الشبه ويؤيده أن كل واحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا منه في بعضها فكذلك التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثؤتها واعترض بأنه متى قبل ذلك كان شكا
ودفع بأن مراتب اليقين متفاوتة إلى علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين مع أنها لا شك معها وممن وافق النووي على ما جزم به السعد في القسم الثاني من تهذيبه وقال جماعة من العلماء أعظمهم الإمام أبو حنيفة وتبعه أصحابه وكصير من المتكلمين الإيمان لا يزيد ولا ينقص واختاره إمام الحرمين واحتجوا بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والأذعان وهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان فالمصدق إذا ضم إليه الطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوة قلة وكثرة وأجابو عما تمسك به الأولون بوجوه منها ما أشرنا إليه أولا من أن الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الزمان والأوقات وإيضاحه ما قاله إمام الحرمين : النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يفضل من عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله تعالى إياه من مخامرة الشكوك والتصديق عرض لا يبقى بشخصه بل يتجدد أمثاله فتقع للنبيي عليه الصلاة و السلام متوالية ولغيره على الفترات فثبتت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه صلى الله تعالى عليه وسلم أكثر والزيادة بهذا المعنى قيل مما لا نزاع فيها
واعترض بأن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة فيه كسواد الجسم ودفع بأن المراد زيادة أعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك ومنها ما أشرنا إليه ثانيا من أن المراد الزيادة بحسب زيادة ما يؤمن به والصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين آمنوا أولا بما آمنوا وكانت الشريعة لم تتم وكانت الأحكام تنزل شيئا فشيئا فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدد منها ولا شكل في تفاوت إيمان الناس بملاحظة التفاصيل كثرة وقلة ولا يختص ذلك بعصره صلى الله تعالى عليه وسلم لإمكان الأطلاع على التفاصيل في غيره من العصور أيضا ومنها أن يحتاج زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب فإن نور الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وقيل : وهذا إنما يحتاج إليه بعد إقامة قاطع على امتناع قبول التصديق الزيادة والنقص لم يقم قاطع على ذلك كان الأولى إبقاء الظواهر على حالها وقال الخطابي : الإيمان قول وهو لا يزيد ولا ينقص وعمل وهو يزيد وينقص واعتقاد وهو يزيد ولا ينقص فإذا نقص ذهب واعترض أنه إذا زاد ثم عاد إلى ما كان فقد نقص ولم يذهب
ودفع بأن مراده أن الأعتقاد باعتبار أول مراتبه يزيد ولا ينقص لا أن الأعتقاد مطلقا كذلك وذهب جماعة منهم الأمام الرازي وإمام الحرمين إلى أن الخلاف لفظي وذلك بحمل قول النفي على أصل الإيمان وهو التصديق فلا يزيد ولا ينقص وحمل قول الإثبات على ما به كماله وهو الأعمال فيكون الخلاف في هذه المسألة فرع الخلاف في تفسير الإيمان والحق أنه حقيقي لما سمعت عن الإمام النووي ومن معه من أن التصديق نفسه يزيد وينقص
وقال بعض المحققين : إن الزيادة والنقص من خواص الكم والتصديق قسم من العلم ولم يقل أحد بأنه