كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

عليه بما قرره الرضي وغيره من أنه يمتنع أن يخاطب في كلام واحد اثنان من غير عطف أو تثنية أو جمع لأنه بعد التنزيل لا تعدد وجوز أن يكون ذلك لأنهم حينئذ غير مخاطبين في الحقيقة فخطابهم في حكم الغيبة وقيل : الأمتناع المذكور مشروط بأن يكون كل من المخاطبين مستقلا أما إذا كان أحدهما داخلا في خطاب الآخر فلا امتناع كما يعلم من تتبع كلامهم وحينئذ يجوز أن يراد خطاب الأمة أيضا من غير تغليب والكلام في ذلك طويل وما ذكره سابقا سالم عن القال والقيل وتعزروه أي تنصروه كما روي عن جابر بن عبد الله مرفوعا وأخرجه جماعة عن قتادة والضمير لله عز و جل ونصرته سبحانه بنصرة دينه ورسوله صلى الله عليه و سلم وتوقروه أي تعظموه كما قال قتادة وغيره والضمير له تعالى أيضا وقيل : كلا الضميرين للرسول صلى الله عليه و سلم وروي عن ابن عباس وزعم بعضهم أنه يتعين كون الضمير في تعزروه للرسول عليه الصلاة و السلام لتوهم أن التعزير لا يكون له سبحانه وتعالى كما يتعين عند الكل كون الضمير في قوله تعالى : وتسبحوه لله سبحانه وتعالى ولا يخفى أن الأولى كون الضميرين فيما تقدم لله تعالى أيضا لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة أي وتنزهوا الله تعالى أو تصلوا له سبحانه من السبحة بكرة وأصيلا
9
- غدوة وعشيا والمراد ظاهرهما أو جميع النهار ويكنى عن جميع الشيء بطرفيه كما يقال شرقا وغربا لجميع الدنيا وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة أعني لتؤمنوا وما بعده بياء الغيبة وعن ابن مسعود وابن جبير كذلك إلا أنهماقرآ ويسبحوا الله بالأسم الجليل مكان الضمير وقرأ الجحدري تعزروه بفتح التاء الفوقية وضم الزاي مخففا وفي رواية عنه فتح التاء وكسر الزاي مخففا وروي هذا عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وقريء بضم التاء وكسر الزاي مخففا وقرأ ابن عباس ومحمد بن اليماني تعززوه بزاءين من العزة أي تجعلوه عزيزا وذلك بالنسبة إليه سبحانه بجعل دينه ورسوله صلى الله عليه و سلم كذلك وقريء وتوقروه من أوقره بمعنى وقره إن الذين يبايعونك يوم الحديبية على الموت في نصرتك كما روي عن سلمة بن الأكوع وغيره أو على أن لا يفروا من قريش كما روي عن ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم وسيأتي الكلام في تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى والمبايعة وقعت قبل نزول الآية فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحال الماضية وهي مفاعلة من البيع يقال : بايع السلطان مبايعة إذا ضمن بذل الطاعة له بما رضخ له وكثيرا ما تقال على البيعة المعروفة للسلاطين ونحوهم وإن لم يكن رضخ وما وقع للمؤمنين قيل يشير إلى ما في قوله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية إنما يبايعون الله لأن المقصود من بيعة الرسول عليه الصلاة و السلام وإطاعته إطاعة الله تعالى وامتثال أوامره سبحانه لقوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله فمبايعة الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه مشاكلة أو هو صرف مجاز وقريء إنما يبايعون لله أي لأجل الله تعالى ولوجهه والمفعول محذوف أي إنما يبايعونك لله يد الله فوق أيديهم استئناف مؤكد لما قبله لأنه عبارة عن المبالغة قال في الكشاف لما قال سبحانه : إنما يبايعون الله أكده على طريقة التخييل فقال تعالى : يد الله فوق أيديهم وأنه سبحانه منزه عن الجوارح وصفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه و سلم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما وفي المفتاح أما حسن الأستعارة التخييلية فبحسب حسن الأستعارة بالكناية متى كانت

الصفحة 96