كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

النفع إن أراد بكم نفعا وهذا كلام جامع في الجواب فيه تعريض بغيرهم من المبطلين وبجلالة محل المحقين ثم ترقى سبحانه منه إلى ما يتضمن تهديدا بقوله تعالى : بل كان الله بما تعملون أي بكل ما تعملونه خبيرا
11
- فيعلم سبحانه تخلفكم وقصدكم فيه ويجازيكم على ذلك ثم ختم جل وعلا بمكنون ضمائرهم ومخزون ما أعد لهم عنده تعالى بقوله سبحانه : بل ظننتم إلى قوله تعالى : بورا وفي الأنصاف أن قوله تعالى : فمن يملك الخ لفا ونشرا والأصل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أو من يحرمكم النفع أن أراد بكم نفعا لأن من يملك يستعمل في الضر كقوله تعالى : فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه ومنه قوله عليه الصلاة و السلام في بعض الحديث : إني لأملك لكم شيئا يخاطب عشيرته وأمثاله كثير وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ودفع المضرة نفع للمدفوع عنه وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه كذلك لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفي لدفع المقدور من خير وشر فلما تقاربا أدرجا في عبارة واحدة وخص عبارة دفع الضر لأنه هو المتوقع لهؤلاء إذ الآية في سياق التهديد والوعيد الشديد وهي نظير قوله تعالى : قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوأ أو أراد بكم رحمة فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمن فهاتان الآيتان توأمتان في التقرير المذكور انتهى والوجه ما ذكرناه أولا في الآية وفي تسمية مثل هذا لفا ونشرا نظرا ثم إن الظاهر عموم الضر والنفع وقال شيخ الإسلام أبو السعود : المراد بالضر ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما وبالنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل وتعميمهما يرده قوله تعالى بل كان الله بما تعملون خبيرا فإنه إضراب عما قالوه وبيان لكذبه بعد بيان فساد صدقه انتهى وهو كلام أو هي من بيت العنكبوت لأن في التعميم إفادة لما ذكر وزيادة تفيد قوة وبلاغة والظاهر أن كلا من الأضرابات الثلاثة مقصود قال شيخ الإسلام : إن قوله تعالى : بل ظننتم الخ بدل من كان الله الخ مفسر لما فيه من الأبهام وفي البحر أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم أن لن ينقلب أي لن يرجع من ذلك السفر الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أي عشائرهم وذوي قرباهم أبدا بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأجل ذلك تحلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديرا فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات وقد جاء على ما في الكشاف أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال : أهلات بفتح الهاء وكذا يجمع على أهال كليال وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع وقيل : هو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا وقرأ عبد الله إلى أهليهم بغير ياء والآية ظاهرة في أن لن ليست للتأييد ومن زعم إفادتها إياه جعل أبدا للتأكيد وزين أي حسن ذلك أي الظن المفهوم من ظننتم في قلوبكم فلو تسمعوا في إزالته فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم

الصفحة 99