كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

عليه السلام لأن في خطاب الضيف بنحو ذلك إيحاشا ما وطلبه به أن يعرفوه حالهم لعله لا يزيل ذلك وأيضا لو كان مراده ذلك لكشفوا أحوالهم عند القول المذكور ولم يتصد عليه السلام لمقدمات الضيافة
فراغ إلى أهله أي ذهب إليهم على خفية من ضيفه نقل أبو عبيدة أنه لا يقال : راغ إلا إذا ذهب على خفية وقال : يقالأ روغ اللقمة إذا غمسها في السمن حتى تروى قال ابن المنير : وهو من هذا المعنى لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى ومن مقلوب الروغ غور الأرض والجرح لخائه وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى وقال الراغب : الروغ الميل على سبيل الأحتيال ومنه راغ الثعلب وراغ فلان إلى فلان مال نحوه لأمر يريده منه بالأحتيال ويعلم منه أن لاعتبار قيد الخفية وجها وهو يقتضيه المقام أيضا لأن من يذهب إلى أهله لتدارك الطعام يذهب كذلك غالبا وتشعر الفاء عليه السلام بادر بالذهاب ولم يمهل وقد ذكروا أن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرامن أن يمنعه الضيف أو يصير منتظرا فجاء بجعل هو ولد القرة كأنه سمي بذلك لتصور عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورا سمين
26
- ممتليء الجسد بالشحم واللحم يقال : سمن كسع سمانة بالفتح وسمنا كعنب فهو سامن وسمين وكحسن السمين خلقه كذا في القاموس وفي البحر يقال : سمن سمنا فهو سمين شذوذا في المصدر واسم الفاعل والقياس سمن وسم وقالوا : سامن إذا حدث له السمن انتهى والفاء فصيحة أفصحت عن جمل قد حذفت ثقة بدلالة الحال وإيذانا بكمال سرعة المجيء بالطعام أي فذبح عجلا فحنذة فجاء به وقال بعضهم إنه كان معدا عنده حنيذا قبل مجيئهم لمن يرد عليه من الضيوف فلا حاجة إلى تقدير ما ذكر والمشهور اليوم أن الذبح للضيف إذاورد أبلغ في إكرامه من الإتيان بما هيء من الطعام قبل وروده وكان كما روي عن قتادة عامة ماله عليه السلام البقر ولو كان عنده أطيب لحما منها لأكرمهم به
فقر إليهم بأ وضعه لديهم وفيه دليل على أن من إكرام الضيف أن يقدم له أكثر مما يأكل وأن لا يوضع الطعام بموضع ويدعى الضيف إليه قال ألا تأكلون
27
- قيل : عرض للأكل فإن في ذلك تأنيسا للضيف وقيل : إنكار لعدم تعرضهم للأكل وفي بعض الآثار أنهم قالوا : إنها لا نأكل إلا ما أدينا ثمنه فقال عليه السلام : إني لا أبيحه لكم إلا بثمن قالوا : وما هو قال : أن تسموا الله تعالى عند الأبتداء وتحمدوه عز و جل عند الفراغ فقال بعضهم لبعض : بحق اتخذه الله تعالى خليلا فأوجس منهم خيفة فأضمر في نفسه منهم خوفا لما رأى عليه الصلاة و السلام إعراضهم عن طعامه وظن أن ذلك لشرير يدونه فإن أكل الضيف أمنة ودليل على أن بساط نفسه وللطعام حرمة وذمام والأمتناع منه وحشة موجبة لظن الشر وعن ابن عباس أنه عليه السلام وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب فخاف قالوا لا تخف إنا رسل الله تعالى عن يحيى بن شداد مسح جبريل عليه السلام العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم وعلى ما روي عن الحبر أن هذا لمجرد تأمينه عليه السلام وقيل : مع تحقيق أنهم ملائكة وعلمهم بما أضمر في نفسه إما بإطلاع الله تعالى إياهم عليه أو إطلاع ملائكته الكلام الكاتبين عليه وإخبارهم به أو بظهور أمارته في وجهه الشريف فاستدلوا بذلك على الباطن وبشروه وفي سورة الصافات وبشرناه أي بواسطتهم بغلام

الصفحة 12