كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

اختيار ذلك والأحتمال جعل الجملة صفة للكتاب المكنون أو للقرآن وكون المراد بالمطهرين الملائكة المقربين عليهم السلام على ما سمعت عن ابن عباس وقتادة عدل الأكثرون عن الأستدلال بها على ذلك إلى الأستدلال بالأخبار فقد أخرج الإمام مالك وعبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال في كتاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعمرو بن حزم ولا تمس القرآن إلا على طهور
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يمس القرآن إلا طاهر إلى غير ذلك وقال بعضهم : يجوز أن يؤخذ منع مس غير الطاهر القرآن من الآية على الأحتمالين الآخرين أيضا وذلك لأنها أفادت تعظيم شأن القرآن وكونه كريما والمس بغير طهرمخل بتعظيمه فتأباه الآية وهو كما ترى وأطال الإمام الكلام في هذا المقام بما لا يخفى حاله من راجعه نعم لا شك في دلالة الآية على عظم شأن القرآن ومقتضى ذلك الأعتناء بشأنه ولا ينحصر الأعتناء بمنع غير الطاهر عن مسه بل يكون بأشياء كالإكثار من تلاوته والوضوء لها وأن لا يقرأه الشخص وهو متنجس الفم فإنه مكروه
وقيل : حرام كالمس باليد المتنجسة وكون القراءة في مكان نظيف والقاريء مستقبل القبلة متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه والأستياك لقراءته والترتيل والتدبر والبكاء أو التباكي وتحسين الصوت بالقراءة ولا يتخذه معيشة وأن يحافظ على أن لا ينسى آية أوتيها منه فقد أخرج أبو داود وغيره عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آيو أوتيها رجل ثم نسيها وأن لا يجامع بحضرته فإن أراد ستره وأن لا يضع غيره من الكتب السماوية وغيرها فوقه وأن لا يقلب أوراقه بأصبع عليها بزاق ينفصل منه شيء فقد قيل : بكفر من يفعل ذلك إلى أمور أخر مذكورة في محالها وفي وجوب كون القاريء طاهرا من الأحداث خلاف فعن ابن عباس في رواية أنه يجوز للجنب قراءة القرآن وروي ذلك أيضا عن الإمام أبي حنيفة وعن عمر أحب إلى أن لا يقرأ إلا طاهر وكأنهم اعتبروه كسائر الأذكار والفرق مثل الشمس ظاهر
وقرأ عيسى المطهرون اسم مفعول مخففا من أطهر ورويت عن نافع وأبي عمرو وقرأ سلمان الفتارسي رضي الله تعالى عنه المطهرون بتخفيف الطاء وتشديد الهاء وكسرها اسم فاعل من طهر أي المطهرون أنفسهم أو غيرهم بالأستغفار لهم والإلهام وعنه أيضا المطهرون بتشديدهما وأصله المتطهرون فأدغم التاء بعد إبدالها في الطاء ورويت عن الحسن وعبد الله بن عون وقريء المتطهرون على الأصل تنزيل من رب العالمين
80
- صفة أخرى للقرآن أي منزل أو وصف بالمصدر لأنه ينزل نجوما من بين سائر كتب الله تعالى فكأنه في نفسه تنزيل ولذلك أجري مجرى بعض أسمائه فقيل جاء في التنزيل كذا ونطق به التنزيل
وجوز كونه خبر محذوف أي هو تنزيل على الأستئناف وقريء تنزيلا بالنصب على نزل تنزيلا أفبهذا الحديث أي أتعرضون فبهذا الحديث الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لإعظامه وإجلاله والإيمان بما تضمنه وأرشد إليه وهو القرآن الكريم أنتم مدهنون
81
- متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به وأصل الأدهان كما قيل : جعل الأديم ونحوه مدهونا بشيء من الدهن ولما كان ذلك ملينا محسوسا يراد به اللين المعنوي على أنه تجوز به عن مطلق اللين أو استعير له ولذا سميت المداراة مداهنة وهذا معروف ولشهرته صار حقيقة عرفية ولذا تجوز به هنا التهاون أيضا لأن المتهاون بالأمر

الصفحة 155