كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

ذلك تسلية له عليه الصلاة و السلام على معنى أنهم غير محتاجين إلى شفاعة وغيرها ولا يخفى أن كون جميع أصحاب اليمين غير محتاجين إلى ما ذكر غير مسلم فالشفاعة لأهل الكبائر أمر ثابت عند أهل السنة ولا جائز أن يكونوا من أصحاب الشمال فصرائح الآيات أنهم كفال وما لهم من ولي ولا شفيع يطاع وكونهم من أصحاب اليمين أقرب من كونهم من السابقين وجعلهم قسما على حدة قد علمت حاله فتذكر فما في العهد من قدم
وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة كلام يفيد عظمة حالهم كما يقال فلان ناهيك به وحسبك أنه فلان إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل وكأني بك تختار ذلك فإنه حسن لطيف
وأما إن كان من المعذبين الضآلين
92
- وهم أصحاب الشمال عبر عنهم بذلك حسبما وصفوا به عند بيان أحوالهم بقوله تعالى : ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ذما لهم بذلك وإشعارا بسبب ما ابتلوا به من العذاب ولما وقع هذا الكلام بعد تحقق تكذيبهم ورده على أتم وجه ولم يقع الكلام السابق كذلك قدم وصف التكذيب هنا على عكس ما تقدم ويجوز أن يقال في ذلك على تقدير عموم متعلق التكذيب بحيث يشمل تكذيبه صلى الله عليه و سلم في دعوى الرسالة إن هذا الكلام إخبار من جهته سبحانه بأحوال الأزواج الثلاثة لم يؤمر عليه الصلاة و السلام بأن يشافه بكل جملة منه من هي فيه فقدم فيه وصف التكذيب الشامل لتكذيبه عليه الصلاة و السلام المشعر بسبب الأبتلاء بالعذاب كرامة له صلى الله عليه و سلم وتنويها بعلو شأنه ولما كان الكلام السابق داخلا في حيز القول المأمور عليه الصلاة و السلام بأن يشافه به أولئك الكفرة لم يحسن التقديم للكرامة إذ يكون حينئذ من باب مادح نفسه يقرئك السلام ويجوز أن يقال أيضا إن الكلام في حال الكافر المحتضر والتكذيب لكونه مقابل التصديق إلا بالقلب وهو لم يتعطل منه تعطل سائر أعضائه فلذا قدن هنا ويرشد إلى هذا ما قالوه في دعاء صلاة الجنازة اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان من وجه تخصيص الإسلام بالإحياء والإيمان بالإماتة
وقال الإمام في ذلك : إن المراد من الضلال هناك ما صدر عنهم من الإصرار على الحنث العظيم فضلوا عن سبيل الله تعالى ولم يصلوا إليه ثم كذبوا رسله وقالوا أئذا متنا الخ فكذبوا بالحشر فقال تعالى : أيها الضالون الذين أشركتم المكذبون الذين أنكرتم الحشر لآكلون ما تكرهون وأما هنا فقال سبحانه لهم : أيها المكذبون الذين كذبتم بالحشر الضالون من طريق الخلاص الذين لا يهتدون إلى النعيم وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب هناك مع الكفار فقال سبحانه : أيها الذين أشركتم أولا وكذبتم ثانيا والخطاب هنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يبين له عليه الصلاة و السلام حال الأزواج الثلاثة كما يدل عليه فسلام لك فقال سبحانه : المقربون في روح وريحان وجنة ونعيم وأصحاب اليمين في سلامة وأما المكذبون الذين كذبوك وضلوا فقدم تكذيبهم إشارة إلى كرامته صلى الله تعالى عليه وسلم حيث بين أن أقوى سبب في عقابهم تكذيبهم انتهى وعليه بالتأمل والإنصاف والنظر لما قال دون النظر لمن قال وقوله تعالى : فنزل بتقدير فله نزل أو فجزاؤه نزل كائن من حميم قيل : يشرب بعد أكل الزقوم كما فصل فيما قبل وتصلية جحيم
94
- أي إدخال في النار وقيل : إقامة فيها ومقاساة لألوان عذابها وكل ذلك مبني على أن المراد بيان ما لهم يوم القيامة وقيل : هذا محمول على ما يجده في القبر من حرارة النار ودخانها لأن الكلام في حال التوفي وعقب قبض الأرواح والأنسب بذلك كون ما ذكر في البرزخ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية : لا يخرج

الصفحة 161