كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

اللازمة لها بيان لإحاطة علمه تعالى بما يضمرونه من نياتهم بعد بيان إحاطته بأعمالهم التي يظهرونها وجوز أن يراد بذات الصدور نفسها وحقيقتها على الإحاطة بما فيها تعلم بالأولى
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه أي حعلكم سبحانه خلفاء عنه عز و جل في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة عبر جل شأنه عما بأيديهم من الأموال بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق فإن من علم أنها لله تعالى وإنما هو بمنزلة الوكيل يصرفها إلى ما عينه الله تعالى من المصارف هان عليه الأنفاق أو جعلكم خلفاء عمن كان قبلكم فيما كان بأيديهم فانتقل لكم وفيه أيضا ترغيب في الإنفاق وتسهيل له لأن من علم أنه لم يبق لمن قبله وانتقل إليه أنه لا يدوم لغيره فيسهل إخراجه ويرغب في كسب الأجر بإنفاقه ويكفيك قول الناس فيما ملكته لقد كان هذا مرة لفلان وفي الحديث يقول ابن آدم : ما لي ما لي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت والمعنى الأول هو المناسب لقوله تعالى : له ملك السماوات والأرض وعليه ما حكى أنه قيل لأعرابي : لمن هذه الإبل فقال : هي لله تعالى عندي ويميل إليه قول القائل : وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع والآية على ما روي عن الضحاك نزلت في تبوك فلا تغفل فالذين آمنوا منكم وأنفقوا حسبما أمروا به لهم بسبب ذلك أجر كبير
7
- وعد فيه من المبالغات ما لا يخفى حيث جعل الجملة إسمية وكان الظاهر أن تكون فعلية في جواب الأمر بأن يقال مثلا آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا تعطوا أجرا كبيرا وأعيد ذكر الإيمان والأنفاق دون أن يقال فمن يفعل ذلك فله أجر كبير وعدل عن فللذين آمنوا منكم وأنفقوا أجر إلى ما في النظم الكريم وفخم الأجر بالتنكير ووصف بالكبير وقوله عز و جل : وما لكم لا تؤمنون بالله استئناف قيل : مسوق لتوبيخهم على ترك الإيمان حسبما أمروا به بإنكار أن يكون لهم في ذلك عذر ما في الجملة على أن لا تؤمنون حال من ضمير لكم والعامل ما فيه من معنى الأستقرار أي أي شيء حصل لكم غير مؤمنين على توجيه الإنكار والنفي إلى السبب فقط مع تحقق المسبب وهو مضمون الجملة الحالية أعني عدم الإيمان فأي لإنكار سبب الواقع ونفيه فقط ونظيره قوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد يتوجه الإنكار والنفي مثل هذا التركيب لسبب الوقوع فيسريان إلى المسبب أيضا كما في قوله تعالى : وما لي لا أعبد الخ ولا يمكن إجراء ذلك هنا لتحقق عدم الإيمان وهذا المعنى مما لا غبار عليه وقوله تعالى : والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم حال من ضمير لا تؤمنون مفيدة على ما قيل : لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه ولام لتؤمنوا صلة يدعو وهو يتعدى بها وبإلى أي وأي عذر في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه وجوز أن تكون اللام تعليلية وقوله سبحانه : وقد أخذ ميثاقكم حال من فاعل يدعوكم أو من مفعوله أي وقد أخذ ميثاقكم بالإيمان من قبل كما يشعر به تخالف الفعلين مضارعا وماضيا وجوز كونه حالا معطوفة على الحال قبلها فالجملة حال بعد حال من ضمير تؤمنون والتخالف بالإسمية والفعلية يبعد ذلك في الجملة وأيا ما كان فأخذ الميثاق إشارة إلى ما كان منه تعالى من نصب الأدلة الآفاقية والأنفسية

الصفحة 169