كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

والتمكين من النظير فقوله تعالى : والرسول يدعوكم إشارة إلى الدليل السمعي وهذا إشارة إلى الدليل العقلي وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي على العقلي
وقال البغوي : هو ما كان حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم بأنه سبحانه ربهم فشهدوا وعليه لا مجاز والأول اختيار الزمخشري وتعقبه ابن المنير فقال : لا عليه أن يحمل على العهد على حقيقته وهو المأخوذ يوم الذر وكل ما أجازه العقل وورد به الشرع ووجب الإيمان به وروي ذلك عن مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل وضعفه الإمام بأن المراد إلزام المخاطبين الإيمان ونفي أن يكون لهم عذر في تركه وهم لا يعلمون هذا العهد إلا من جهة الرسول فقبل التصديق بالرسول لا يكون سببا لألزامهم الإيمان به وقال الطيبي : يمكن أن يقال إن الضمير في أخذ إن كان لله تعالى فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دل عليه قوله تعالى : قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي الخ لأن المعنى فإما يأتينكم مني هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم ويدل على الأول قوله سبحانه : والرسول يدعوكم لتؤمنوا وعلى الثاني هو الذي ينزل على عبده آيات الخ وإن كان للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فالظاهر أن يراد به ما في قوله تعالى : وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه على أن يضاف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا الموثق عليه أي الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم وهو الوجه لأن الخطاب مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما يدل عليه ما بعد ولعل الميثاق ما روينا عن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت با يعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله تعالى ولا نخاف لومة لائم انتهى
ويضعف الأول بنحو ما ضعف به الإمام حمل العهد على ما كان يوم الذر وضعف الثاني أظهر من أن ينبه عليه
والخطاب قال صاحب الكشف : عام يوبخ من لم يؤمن منهم بعدم الإيمان ثم من آمن بعد الإنفاق في سبيله
وكلام أبي حيان ظاهر في أنه للمؤمنين وجعل آمنوا أمرا بالثبات على الإيمان ودوامه وما لكم لا تؤمنون الخ على معنى كيف لا تثبتون على الإيمان ودواعي ذلك موجودة
وظاهر كلام بعضهم كونه للكفرة وهو الذي أشرنا إليه من قبل ولعل ما ذكره صاحب الكشف أولى إلا أنه قيل عليه : إن آمنوا كان خطابا للمتصفين بالإيمان ولغير المتصفين به يلزمن استعمال الأمر في طلب أصل الفعل نظرا لغير المتصفين وفي طلب الثبات نظرا للمتصفين وفيه ما فيه ويحتاج في التفصي عن ذلك إلى إرادة معنى عام للأمرين وقد يقال أراد أنه عمد إلى جماعة مختلفين في الأحوال فأمروا بأوامر شتى وخوطبوا بخطابات متعددة فتوجه كل أمر وكل خطاب إلى من يليق به وهذا كما يقول الوالي لأهل بلده : أذنوا وصلوا ودرسوا وأنفقوا على الفقراء وأوفوا الكيل والميزان إلى غير ذلك فإن كل أمر ينصرف إلى من يليق به منهم فتأمل وقريء وما لكم لا تؤمنون بالله ورسوله وقرأ أبو عمرو وقد أخذ ميثاقكم بالبناء للمفعول ورفع ميثاقكم إن كنتم مؤمنين
8
- شرط جوابه محذوف دل عليه ما قبل والمعنى إن كنتم مؤمنين لموجب ما فهذا موجب لا موجب وراءه وجوز أن يكون المراد إن كنتم ممن يؤمن فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه وقال الواحدي : أي إن كنتم مؤمنين بدليل عقلي أو نقلي فقد بان بأن وظهر لكم على يدي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ببعثته وإنزال القرآن عليه وأيا ما كان فلا تناقض بين هذا وقوله تعالى : وما لكم لا تؤمنون وقال الطبري

الصفحة 170