كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
في ذلك : المراد إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فآمنوا الآن وقيل : المراد إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى عليهما السلام فآمنوا بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فإن شريعتهما تقتضي الإيمان به عليه الصلاة و السلام أو إن كنتم مؤمنين بالميثاق المأخوذ عليكم في عالم الذر فآمنوا الآن وقيل المراد إن دمتم على الإيمان فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة والكل كما ترى
وظاهر الأخير أن الخطاب مع المؤمنين وهو الذي اختاره الطيبي وقال في هذا الشرط : يمكن أن يجري على التعليل كما في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين لأن الكلام مع المؤمنين على سبيل التوبيخ والتقريع يدل على ما بعد هو الذي ينزل على عبده حسبما يعن لكم من المصالح آيات بينات واضحات والظاهر أن المراد بها آيات القرآن وقيل : المعجزات ليخرجكم أي الله تعالى إذ هو سبحانه المخبر عنه أو العبد لقرب الذكر والمراد ليخرجكم بها من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقريء في السبعة ينزل مضارعا فبعض ثقل وبعض خفف
وقرأ الحسن بالوجهين وقرأ زيد بن علي والأعمش أنزل ماضيا وإن الله بكم لرؤف رحيم
9
- مبالغ الرأفة والرحمة حيث أزال عنكم موانع سعادة الدارين وهداكم إليها على أتم وجه وقريء في السبعة لرؤوف بواوين وقوله عز و جل : وما لكم ألا تنفقوا توبيخ على ترك الإنفاق إما للمؤمنين الغير المنفقين أو لأولئك الموبخين أولا على ترك الإيمان وبخهم سبحانه على ذلك بعد توبيخهم على ترك الإيمان بإنكار أن يكون لهم في ذلك أيضا عذر من الأعذار و أن مصدرية لا زائدة كما قيل واقتضاه كلام الأخفش والكلام على تقدير حرف الجر فالمصدر المؤل في محل نصب أو جر على القولين وحذف مفعول الإنفاق للعلم به مما تقدم وقوله تعالى : في سبيل الله لتشديد التوبيخ والمراد به كل خير يقربهم إليه تعالى على سبيل الإستعارة التصريحية أي أب شيء لكم في أن لا تنفقوا فيما هو قربة إلى الله تعالى ما هو له في الحقيقة وإنما أنتم خلفاؤه سبحانه في صرفه إلى ما عينه عز و جل من المصارف أو ما انتقل إليكم من غيركم وسبنتقل منكم إلى الغير ولله ميراث السماوات والأرض أي يرث كل شيء فيهما ولا يبقي لأحد مال على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف
وجوز أن يراد يرثهما وما فيهما واختير الأول أنه يكفي لتوبيخهم إذ لا علاقة لأخذ السماوات والأرض هنا والجملة حال من فاعل لا تنفقوا أو مفعوله مؤكدة للتوبيخ فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر ومع تحقق ما يوجب الإنفاق أشد في القبح وأدخل في الإنكار فإن بيان بقاء جميع ما في السماوات والأرض من الأموال بالآخرة لله عز و جل من غير أن يبقى لأحد من أصحابها شيء أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من بيان أنها لله تعالى في الحقيقة أو أنها انتقلت إليهم من غيرهم كأنه قيل : وما لكم في ترك إنفاقها في سبيل الله تعالى والحال أنه لا يبقى لكم ولا لغيركم منها شيء بل تبقى كلها لله عز و جل وإظهار الأسم الجليل في موقع الإضمار لزيادة التقرير وتربية المهابة وقوله تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل بيان لتفاوت درجات المنفقين حسب تفاوت أحوالهم في الإنفاق بعد بيان أن لهم أجرا كبيرا على الإطلاق حثا لهم على تحري الأفضل