كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
في غي كل وما ضاهاها في الأفتقار والعموم فإنه في ذلك مطرد لكن ادعى فيه إجماع وهو محل نزاع
والله بما تعملون خبير
10
- عالم بظاهره وباطنه ويجازيكم على حسبه فالكلام وعد ووعيد وفي الآيات من الدلالة على فضل السابقين المهاجرين والأنصار ما لا يخفى والمراد بهم المؤمنون المنفقون المقاتلون قبل فتح مكة أو قبل الحديبية بناءا على الخلاف السابق والآية على ما ذكره الواحدي عن الكلبي نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي بسببه وأنت تعلم أن خصوص السبب لا يدل على تخصيص الحكم فلذلك قال : أولئك ليشمل غيره رضي الله تعالى عنه ممن اتصف بذلك نعم هو أكمل الإراد فإنه أنفق قبل الفتح وقبل الهجرة جميع ما له وبذل نفسه معه عليه الصلاة و السلام ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : ليس أحد أمن على بصحبته من أبي بكر وذلك يكفي لنزولها فيه وفي الكشاف إن أولئك هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيهم : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه قال الطيبي : الحديث من رواية البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصيفه وتعقبه في الكشف بأنه على هذا لا يختص بالسابقين الأولين كما أشار في الكشاف إليه وهو مبني على أن الخطاب في لا تسبوا ليس للحاضرين ولا للموجودين في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم بل لكل من يصلح للخطاب كما في قوله تعالى : ولو ترى إذ وقفوا الآية وإلا فقد قيل : إن الخطاب يقتضي الحظور والوجود ولا بد من مغايرة المخاطبين بالنهي عن سبهم فهم السابقون الكاملون في الصحبة
وأقول شاع الأستدلال بهذا الحديث على فضل الصحابة مطلقا بناءا على ما قالوا : إن إضافة الجمع تفيد الأستغراق وعليه صاحب الكشف واستشكل أمر الخطاب وأجيب عنه بما سمعت وبأنه على حد خطاب الله تعالى الأزلي لكن في بعض الأخبار ما يؤيد أن المخاطبين بعض من الصحابة والممدوحين بعض آخر فتكون الإضافة للعهد أو بحمل الأصحاب على الكاملين في الصحبة
أخرج أحمد عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن ابن عوف : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم ثم في هذا الحديث تأييد ما لكون أولئك هم الذين أنفقوا قبل الحديبية لأن إسلامه رضي الله تعالى عنه كان بين الحديبية وفتح مكة كما في التقريب وغيره والزمخشري فسر الفتح بفتح مكة فلا تغفل قال الجلال المحلي : كون الخطاب في لا تسبوا للصحابة السابين وقال : نزلهم صلى الله تعالى عليه وسلم بسبهم الذي لا يليق بهم منزلة غيرهم حيث علل بما ذكره وهو وجه حسن فتدبر وقوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في سبيله مؤكد للأمر السابق به وللتوبيخ على تركه فالإستفهام ليس على حقيقته بل للحث والقرض الحسن الإنفاق بالإخلاص وتحري أكرم المال وأفضل الجهات وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات أن يكون من الحلال فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء وأن يكون المرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر وأن يضعه في الأحوج الأولى : وأن يكتم ذلك وأن لا يتبعه بالمن