كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

فهو لا يرد الأستدلال إذ يكفي للمرتضي أن يقول : المولى في الخبر بمعنى المكان الذي يقال فيه أولى إذ يلزم على غيره العبث أو الكذب وإن أراد أن ذلك معنى لازم لما هو تفسير له كأن يكون تفسيره القائم بمصالحكم ونحوه مما يكون ذلك لازما ففي رده الأستدلال أيضا تردد وإن أراد شيئا آخر فنحن لا ندري ما هو وهو لم يبينه والحق أنه لو جعل المولى بمعنى الأولى أو المكان الذي يقال فيه الأولى لا يتم الأستدلال بالخبر على الأمامة التي تدعيها الإمامية للأمير كرم الله تعالى وجهه لما بين في موضعه وفي التحفة الأنثى عشرية ما فيه كفاية لطالب الحق
وقال ابن عباس أي مصيركم وتحقيقه على ما قال الإمام : إن المولى بمعنى موضع الولي وهنو القرب والمعنى هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه وأنت تعلم أن الأخبار بأنها مأواهم ليس فيه كثير جدوى على أن وضع المكان للموضع الذي يتصف صاحبه بالمأخذ حال كونه فيه والقرب من النار وصف لأولئك قبل الدخول فيها ولا يحسن وصفهم به بعد الدخول ولو اعتبر مجاز الكون كما لا يخفى وجوز بعضهم اعتبار كونه اسم مكان من الولي بمعنى القرب لكن على أن المعنى هي مكان قربكم من الله سبحانه ورضوانه على التهكم بهم وقيل : أي متوليكم أي المتصرفة فيكم كمتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها في الدنيا من المعاصي والتصرف استعارة للأحراق والتعذيب وقيل : مشاكلة تقديرية وبئس المصير
15
- أي النار وهي المخصوص بالذم المحذوف لدلالة السياق ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله استئناف لعتاب المؤمنين على الفتور والتكاسل فيما ندبوا إليه والمعاتب على ما قاله الزجاج طائفة من المؤمنين وإلا فمنهم من لم يزل خاشعا منذ أسلم إلى أن ذهب إلى ربه وما نقل عن الكلبي ومقاتل أن الآية نزلت في المنافقين فهم المراد بالذين آمنوا مما لا يكاد يصح وقد سمعت صدر السورة الكريمة ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن المنذر عن الأعمش قال : لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان لهم من الجهد فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا فنزلت ألم يأن الآية
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : إن الله تعالى استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال سبحانه : ألم يأن الآية وفي خبر ابن مردويه عن أنس بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن
وأخرج عن عائشة قالت : خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكمم وقد نزل في ضحككم آية ألم يأن للذين الخ قالوا : يا رسول الله فما كفارة ذلك قال : تبكون بقدر ما ضحكتم وفي خبر أن أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام قد ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت وحديث مسلم ومن معه السابق مقدم على هذه الآثار على ما يقتضيه كلام أهل الحديث و يأن مضارع أني الأمر أنيا وأناءا وإناءا بالكسر إذا جاء أناه أي وقته أي ألم يجيء وقت أن تخشع قلوبهم لذكره عز و جل
وقرأ الحسن وأبو السمال ألما بالهمزة ولما النافية الجازمة كلم إلا أن فيه أن المنفي متوقع

الصفحة 179