كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

المنطقي وأقل ما يكون تحته نوعان فخلق سبحانه من الجوهر مثلاالمادي والمجرد ومن المادي النامي والجامد ومن النامي المدرك والنبات ومن المدرك الصامت والناطق وهوكما ترى لعلكم تذكرون
49
- أي فعلنا ذلك كله كي تتذكروا فتهرفوا أنه عز و جل الرب القادر الذي لا يعجزه شيء فتعلموا بمقتضاه ولا تعبدوا ما سواه وقيل : خلقنا ذلك كي تتذكروا أن التعدد خواص الممكنات وأن الواجب بالذات سبحانه لا يقبل التعدد والأنقسام وقيل المراد : التذكر بجميع ما ذكر لأمر الحشر والنشر لأن من قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة وله وجه وقرأأبي تتذكرون بتاءين وتخفيف الذال ففروا إلى الله تفريع على قوله سبحانه : لعلكم تذكرون وهو تمثيل للأعتصام به سبحانه وتعالى وبتوحيده عز و جل والمعنى قل يا محمد : ففروا إلى الله لمكان إني لكم منه أي من عقابه تعالى المعد لمن لم يفر إليه سبحانه ولم يوحده نذير مبين
50
- بين كونه منذرا من الله سبحانه بالمعجزات أو مبين ما يجب أن يحذر عنه
ولا تجعلوا مع الله إلها آخر عطف على الأمر وهو نهي عن الإشراك صريحا على نحو وحدوه ولا تشركوا ومن الأذكار المأثورة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكرر قوله تعالى : إني لكم منه نذير مبين
51
- لاتصال الأول بالأمر واتصال هذا بالنهي والغرض من كل ذلك الحث على التوحيد والمبالغة في النصيحة وقيل : إن المراد بقوله تعالى : ففروا إلى الله الأمر بالأيمان وملازمة الطاعة وذكر ولا تجعلوا الخ إفرادا لأعظم ما يجب أن يفر منه و إني لكم الخ الأول مرتب على ترك الأيمان والطاعة والثاني على الإشراك فهما متغايران لتغاير ما ترتب كل منهما عليه ووقع تعليلا له ولا يخلو عن كدر وقال الزمخشري : في الآية : فروا إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ووحدوا ولاتشركوا به وكرر إني لكم الح عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الأيمان وأنه لا يفوز عدن الله تعالى إلا الجامع بينهما انتهى وفيه أنه لا دلالة في الآية على ذلك بوجه ثم تفسير الفرار إلى الله بما فسره أيضا لينطبق على العمل وحده غير مسلم علىأنه لو سلم الإنذار بترك العمل فمن أين يلزم عدم النفع وأهلالسنة لا ينازعون في وقوع الإنذار بارتكاب المعصية فالمنساق إلى الذهن على تقدير كون المراد بالفرار إلى الله تعالىالعبادة أنه تعالى أمر بها أولا وتوعد تاركها بالوعيد المعروف له في الشرع وهو العذاب دون خلود ونهى جل شأنه ثانيا أن يشرك بعبادته سبحانه غيره وتوعد المشرك بالوعيد المعروف له وهو الخلود وعلى هذا يكون الوعيدان متغايرين وتكون الآية في تقديم الأمر على النهي فيها نظير قوله تعالى : فمنكان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وقوله سبحانه : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأين هذا مما ذكره الزمخشري عامله الله تعالى بعدله
كذلك أي الأمر مثل ذلك تقرير وتوكيد على ما مر غير مرة ومن فصل الخطاب لأنه لما أراد سبحانه أن يستأنف قصة قولهم المختلف في الرسول ص - بعد أن تقدمت عموماأو خصوصا في قوله تعالى إنكم لفي قول مختلف وكان قد توسط ما توسط قال سبحانه : الأمر كذلك أي مثل ما يذكر ويأتيك

الصفحة 18