كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
هم مبتدأ ثالث وقوله عز و جل : الصديقون والشهداء خبر الثالث والجملة خبر الثاني وهو مع خبره خبر الأول أو هم ضمير فصل وما بعده خبر الثاني وقوله تعالى : عند ربهم متعلق على ما قيل : بالثبوت الذي تقتضيه الجملة أي أولئك عند ربهم عز و جل وفي حكمه سبحانه هم الصديقون والشهداء
والمراد أولئك في حكم الله تعالى بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا إلى التصديق ورسخوا فيه واستشهدوا في سبيل الله جل جلاله وسمي من قتل مجاهدا في سبيله تعالى شهيدا لأن الله سبحانه وملائكته عليهم السلام شهود له بالجنة وقيل : لأنه حي لم يمت كأنه شاهد أي حاضر وقيل : لأن ملائكة الرحمة تشهده وقيل : لأنه شهد ما أعد الله تعالى له من الكرامة وقيل : غير ذلك فهو إما فعيل بمعنى فاعل أو بمنى مفعول على اختلاف التأويل وقوله عالى : لهم أجرهم ونورهم خبر ثان للموصول على أنه جملة من مبتدأ وخبر أو لهم الخبر وما بعده مرتفع به على الفاعلية وضمير لهم للموصول والضميران الأخيران للصديقين والشهداء والغرض بيان ثمرات ما وصفوا به من نعوت الكمال أي أولئك لهم مثل أجر الصديقين والشهداء ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال وقد حذف أداة التشبيه تنبيها على قوة المماثلة وبلوغها حد الأتحاد كما فعل ذلك أولا حيث قيل : أولئك هم الصديقون والشهداء وليست المماثلة بين ما للفريق الأول من الأجر والنور وبين تمام ما للفريقين الأخيرين بل بين تمام ما للأول من الأصل والإضعاف وبين ما للأخيرين من الأصل بدون الإضعاف فالإضعاف هو الذي امتاز به الفريقان الأخيران على الفريق الأول وقد لا يعتبر تشبيه بليغ في الكلام أصلا ويبقى على ظاهره والضمائر كلها للموصول أي أولئك هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله تعالى وأخبار رسله عليهم الصلاة والسلام والقائمون بالشهادة لله سبحانه بالوحدانية وسائر صفات الكمال ولهم بما يليق بهم من ذلك لهم الأجر والنور والموعودان لهم وقال بعضهم : وصفهم بالشهادة لكونهم شهداء على الناس كما نطق به قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس فعند ربهم متعلق بالشهداء والمراد والشهداء على الناس يوم القيامة وجوز تعلقه بالشهداء أيضا على الوجه الأول على معنى الذين شهدوا مزيد الكرامة بالقتل في سبيل الله تعالى يوم القيامة أو في حظيرة رحمته عز و جل أو نحو ذلك ويشهد لكون الشهداء معطوفا على الصديقين آثار كثيرة
أخرج ابن جرير عن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن مؤمنين أمتي شهداء ثم تلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال يوما لقوم عنده : كلكم صديق وشهيد قيل له : ما تقول يا أبا هريرة قال : اقرءوا والذين آمنوا بالله ورسله الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال : كل مؤمن صديق وشهيد ثم تلا الآية وأخرج عبد بن حميد ونحوه عن عمرو بن ميمون وأخرج ابن حبان عن عمرو ابن مرة الجهني قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا قال : من الصديقين والشهداء وينبغي أن يحمل الذين آمنوا على من لهم كمال في ذلك يعتد به ولا يتحقق إلا بفعل طاعات يعتد بها وإلا فيبعد أن يكون المؤمن المنهمك في الشهوات الغافل عن الطاعات صديقا شهيدا