كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
ويستأنس لذلك بما جاء من حديث عمر رضي الله تعالى عنه مالكم إذا رأيتم الله تعالى عنه مالكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعيبوا عليه قالوا : نخاف لسانه قال : ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء وقال ابن الأثير : أي إذا لم تفعلوا ذلك لم تكونوا في جلة الشهداء الذين يستشهدون يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبيائها وكذا بقوله عليه الصلاة و السلام : اللعانون لا يكونون شهداء بناءا على أحد القولين فيه
وفي بعض الأخبار ما ظاهره إرادة طائفة من خواص المؤمنين أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من فر بدينه من أرض إلى أرض مخافة الفتنة على نفسه ودينه كتب عند الله صديقا فإذا مات قبضه الله شهيدا وتلا هذه الآية والذين آمنوا بالله ورسله أولئك الصديقون والشهداء ثم قال هذه فيهم ثم قال : الفرارون بدينهم من أرض إلى أرض يوم القيامة مع عيسى ابم مريم في درجته في الجنة ويجوز أن يراد من قوله : هذه فيهم أنها صادقة عليهم وهم داخلون فيها دخولا أوليا ويقال : في قوله عليه الصلاة و السلام : مع عيسى في درجته المراد معه في مثل درجته وتوجه المماثلة بما مر والخبر إذا صح يؤيد الوجه الأول في الآية
وروي عن الضحاك أنها نزلت في ثانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وطلحة والزبير وسعد وزيد رضي الله تعالى عنهم أجمعين وهذا لا يضر في العموم كما لا يخفى وقيل : الشهداء مبتدأ و عند ربهم خبره وقيل : الخبر لهم أجرهم والكلام عليهما قد تم عند قوله تعالى : الصديقون وأخرج هذا ابن جرير عن ابن عباس والضحاك قالا : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون هذه مفصولة سماهم صديقين ثم قال : والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم
وروي جماعة عن مسروق ما يوافقه واختلفوا في المراد بالشهداء على هذا فقيل : الشهداء في سبيل الله تعالى
وحكى ذلك عن مقاتل بن سليمان وقيل : الأنبياء عليهم السلام يشهدون للأمم عليهم وحكى ذلك عن مسروق ومقاتل بن حيان واختاره الفراء والزجاج وزعم أبو حيان أن الظاهر كون الشهداء مبتدأ وما بعده خبر ومن أنصف يعلم أنه ليس كما قال وأن الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم هو ما تقدم ثم النور على جميع الأوجه على حقيقته وعن مجاهد وغيره أنه عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أي بجميعها على اختلاف أنواعها وهو إشارة إلى كفرهم بالرسل عليهم السلام جميعهم أولئك الموصوفون بتلك الصفة القبيحة أصحاب الجحيم
19
- بحيث لا يفارقونها أبدا واعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد بعدما بين حال الفريقين في الآخرة شرح حال الحياة التي اطمأن بها الفريق الثاني وأشير إلى أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلا عن الأطمئنان بها بأنها لعب لا ثمرة فيها سوى التعب ولهو تشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه وزينة لا يحصل منها شرف ذاتي كالملابس الحسنة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة وتفاخر بالأنساب والعظام البالية وتكاثر بالعدد والعدد وقرأ السلمي وتفاخر بينكم بالإضافة ثم أشير إلى أنها مع ذلك سريعة الزوال وشيكة الأضمحلال بقوله سبحانه : كمثل غيث مطر أعجب الكفار أي راقهم نباته أي النبات الحاصل به والمراد بالكفار إما الحراث على ما روي عن ابن مسعود لأنهم يكفرون أي يسترون