كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
ظرفا لغير المتناهي ولذا جاء جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة وفي الآية تخصيص ىخر وهو أنه سبحانه لم يذكر أحوال أهل السماوات لعدم تعلق الغرض بذلك مع قلة المصائب وفي أهلها بل لا يكاد يصيبهم سوى مصيبة الموت وما ذكره في وجه التخصيص الأول لا يتم إذا أريد بالكتاب علمه سبحانه وقيل : بأن كناية الحوادث فيه على نحو كتابتها في القرآن العظيم بناءا على ما يقولون : إنه ما من شيء إلا ويمكن استخراجه منه حتى أسماك الملوك ومددهم وما يقع منهم ولو قيل في وجهه إن الأوفق بما تقدم من شرح الحياة الدنيا إنما هو ذكر المصائب الدنيوية فلذا خصت بالذكر لكان تاما مطلقا إن ذلك أي إثباتها في كتاب على الله لا غيره سبحانه يسير
22
- لا ستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة وإن أريد بذلك تحققها في علمه جل شأنه فيسره لأنه من مقتضيات ذاته عز و جل وفي الآية رد على هشام بن الحكم الزاعم أنه سبحانه لا يعلم الحوادث قبل وقوعها وفي الإكليل إن فيها ردا على القدرية وجاء ذلك في خبر مرفوع أخرج الديلمي عن سليم بن جابر الجهيمي قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سيفتح على أمتي باب من القدر في آخر الزمان لا يسده شيء يكفيكم منه أن تلقوه بهذه الآية ما أصاب مصيبة الآية
وأخرج الإمام أحمد والحاكم وصححه عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالا : إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول إنما الطيرة في المرأة والدابة الدار فقالت : والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلى الله تعالى عليه وسلم ما هكذا كان يقول ولكن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ثم قرأت ما أصاب من مصيبة الآية لكيلا تأسوا أي أخبرناكم بذلك لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم أي أعطاكموه الله تعالى منها فإن من علم أن كل مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتي ما قدر إتيانه لا محالة لا يعم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت وعلم كون الكل مقدرا مع أن المذكور سابقا المصائب دون النعم وغيرها لأنه لا قائل بالفرق وليس في النظم الكريم اكتفاء كما توهم نعم إن حملت المصيبة على الحوادث من خير وشر كان أمر العلم أوضح كما لا يخفى التعادل بين الفعلين في الصلتين حيث لم يسندا إلى شيء واحد بل أسند الأولإلى ضمير الموصول والثاني إلى ضميره تعالى لأن الفوات والعدم ذاتي فلو خليت ونفسها لم تبق بخلاف حصولها وبقائها فإنه لا بد من استنادهما إليه عز و جل كما حقق في موضعه وعليه قول الشاعر : فلا تتبع الماضي سؤالك لم مضى وعرج على الباقي وسائله لم بقى ومثل هذه القراءة قراءة عبد الله أوتيتم مبنيا للمفعول أي أعطيتم وقرأأبو عمرو أتاكم من الإتيان أي جاءكم وعليها بين الفعلين تعادل والمراد نفي الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين ونفي الفرح المطغي الملهي عن الشكر وأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الأستسلام والسرور بنعمة الله تعالى والأعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما
أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه في الآية : ليس إلا هو وهو يحزن ويفرح ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبرا ومن أصابه خير جعله شكرا وقوله تعالى :