كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
خبره إشارة إلى الكلام الذي يتلوه أعني قوله عز و جل : ما أتى الذين من قبلهم إلا آخره فهو تفسير ما أجمل وهو مراد من قال : الإشارة إلى تكذيبهم الرسول عليه الصلاة و السلام وتسميتهم إياه وحاشاه ساحرا ومجنونا ويعلم مما ذكر أن كذلك خبر مبتدأ محذوف ولا يجو نصبه بأتى على أنه صفة لمصدره والإشارة إلى الإتيان أي ما أتي الذين من قبلهم من رسول إتيانا مثل إتيانهم إلا قالوا الخ لأن ما بعد ما النافية لا يعمل فيما قبلها على المشهور ولا يأتي مقدراعلى شريطة التفسير لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملا في مثل ذلك كما صرح به النحاة وجعله معمولا لقالوا والإشارة للقول أي إلا قالوا ساحر أو مجنون قولا مثل ذلك القول لا يجوز أيضا على تعسفه لمكان ما وضمير قبلهم لقريش أي ما أتي الذين من قبل قريش من رسول أي رسول من رسل الله تعالى إلا قالوا في حقه ساحر أو مجنون
52
- خبر مبتدأ محذوف أي هو ساحر و أوقيل : من الحكاية أي إلا قالوا ساحر أو قالوا مجنون وهي لمنع الخلو وليست من المحكي ليكو مقول كل مجموع ساحر أو مجنون وفي البحر هي للتفصيل أي قال بعض : ساحر وقال بعض مجنون وقال بعض : ساحر ومجنون فجمع القائلون في الضمير ودلت أو على التفصيل انتهى فلا تغفل
واستشكلت الآية بأنها تدل علىأنه ما من رسول إلا كذب مع أن الرسل المقررين شريعة من قبلهم كيوشع عليه السلام لم يكذبوا وكذا لآدم عليه السلام أرسل ولم يكذب وأجاب الإمام بقوله : لا نسلم أن المقرر رسول بل هو نبي على دين رسول ومن كذب رسوله فهو يكذبه أيضا وتعقب الأخبار وكذا الآيات دالة علىأن المقررين رسل وأيضا يبقى الأستشكال بآدم عليه السلام وقد اعترف بأنه أرسل ولم يكذب وأجاب بعض عن الأستشكال بالمقررين بأن الآية إنما تدل علىأن الرسل الذين أتوا من قبلهم كلهم قد قيل في حقهم ما قيل ولا يدخل في عموم ذلك المقررون لأن المتبادر من إتيان الرسول قوما مجيئه إياهم مع عدم تبليغ غيره إياهم ما أتى به من قبله وذلك لم يحصل للمقرر شرع منقبله كما لا يخفى وعن الأستشكال بآدم عليه السلام بأن المراد ما أتي الذين من قبلهم من الأمم الذين كانوا موجودين على نحو وجود هؤلاء رسول إلا قالوا الخ وآدم عليه السلام لم يأت أمة كذلك إذ لم يكن حين أرسل إلا زوجته حواء ولعله أولى مما قيل : إن المراد من رسول من بني آدم فلا يدخل هو عليه السلام في ذلك واستشكلت أيضا بأن إلا قالوا يدل علىأنهم كلهم كذبوا مع أنه ما من رسول إلا آمن به قوم وأجاب الإمام بأن إسناد القول إلى ضمير الجمع إرادة الكثير بلا لأكثر وذكر المكذب فقط لأنه الأوفق بغرض التسلية وأخذ منه بعضهم الجواب عن الأستشكال السابق فقال : الحكم باعتبار الغالب لاأن كل أمة من الأمم أتاها رسول فكذبته ليرد آدم والمقرر ونحيث لم يكذبوا وفيه ما فيه وحمل بعضهم الذين منقبلهم على الكفار ودفع به الأستشكالين وفيه ما لا يخفى فتأمل جميع ذلك ولا تظن انحصار الجواب فيما سمعت فأمعن النظر والله تعالى الهادي لأحسن المسالك أتواصوا به تعجيب من إجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوه جميعا وقيل : إنكار للتواصي أي ما تواصوا به
الصفحة 19
200