كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : لما نزلت أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا فخر مؤمنوا أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوال : لنا أجران ولكم أجر فاشتد ذلك على أصحابه عليه الصلاة و السلام فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا الخ فجعل لهم سبحانه أجرين مثل ما لمؤمني أهل الكتاب وقال الثعلبي : فأنزل الله تعالى يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور ثم قال سبحانه : لئلا يعلم الخ وحاصله على هذا ليعلموا أنهم ليسوا أملاك فضله عز و جل فيزوره على المؤمنين ويستبدوا به دونهم وقوله تعالى : وأن الفضل بيد الله عطف على أن لا يقدرون داخل معه في حيز العلم وقوله سبحانه : يؤتيه من يشاء خبر ثان لأن أو هو الخبر وما قبله على ما قيل : حال لازمة أو استئناف وقوله عز و جل : والله ذو الفضل العظيم
29
- اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله
وذهب بعض إلى أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب اليهود والنصارى أو لمن يؤمن منهم بعد : فالمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام آمنوا بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم أي اثبتوا على الإيمان به أو أحدثوا الإيمان به عليه الصلاة و السلام يؤتكم نصيبين من رحمته نصيبا على إيمانكم بمن آمنتم به أولا ونصيبا على إيمانكم بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم آخرا ليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب أنهم لا ينالون شيئا مما يناله المؤمنون منهم ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الإيمان برسوله صلى الله عليه و سلم وأيد ذلك بما في صحيح البخاري من كانت له أمة علمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما مملوك أدى حق الله تعالى وحق مواليه فله أجران ولا إشكال في ذلك بالنسبة إلى النصارى ولذا قيل : الخطاب لهم لأن ملتهم غير منسوخة قبل ظهور الملة المحمدية ومعرفتهم بها فيثابون على العمل بها حتى يجب عليهم الإيمان بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا آمنوا أثيبوا أيضا فكان لهم ثوابان نعم قد يستشكل بالنسبة إلى غيرهم لأن مللهم منسوخة بملة عيسى عليه السلام والمنسوخ لا ثواب في العمل به ويجاب بأنه لا يبعد أن يثابواعلى العمل بملتهم السابقة وإن كانت منسوخة ببركة الإسلام
وأجاب بعضهم أن الإثابة على نفس إيمان ذلك الكتابي بنبيه وإن كان منسوخ الشريعة فأن الأيمان بكل نبي فرض سواء كان منسوخ الشريعة أم لا وقيل : إن لا في لأن لا يعلم غير مزيدة وضمير لا يقدرون للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقد أهل الكتاب أن الشأن لا يقدر النبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنون به على شيء من فضل الله تعالى الذي هو عبارة عما أوتوه من سعادة الدارين ولا ينالونه أو أنهم أي النبي عليه الصلاة و السلام والمؤمنون لا يقدرون الخ على أن عدم علمهم بعدم قدرتهم على ذلك كناية عن علمهم بقدرتهم عليه فيكون قوله سبحانه : وأن الفضل الخ معطوفا على أن لا يعلم داخلا معه في حيز التعليل دون أن لا يقدر فكأنه قيل : فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقدوا كذا ولأن الفضل بيد الله فيكون من عطف الغاية على الغاية بناءا على المشهور ولتكلف هذا القيل مع مخالفته لبعض القراءات لم يذهب إليه معظم المفسرين وقرأ خطاب بن عبد الله لأن لا يعلم بالإظهار وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعكرمة والجحدري وعبد الله بن سلمة على اختلاف ليعلم وقرأ الجحدري أيضا وليعلم على أن أصله لئن يعلم فقلبت الهمزة ياءا