كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
الإرادة الإلهية للمراد كما بين في الأصول مع أن التخلف محقق بالمشاهدة وأيضا ظاهر قوله تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس يدل على إرادةالمعاصي من الكثير ليستحقوا بهم جهنم فينافي إرادة العبادة لكن لما كان خلقهم على حالة صالحة للعبادة مستعدة لها حيث ركب سبحانه فيهم عقولا وجعل لهم حواس ظاهرة وباطنة إلى غير ذلك من وجوه الأستعداد جعل خلقهم مغنيا بها مبالغة بتشديد المعد الشيء بالغاية ومثله شائع في العرف ألا تراهم يقولون للقوي جسمه للمصارعة وللبقر : هي مخلوقة للحرث
وفي الأكشف أن أفعاله تعالى تنساق إلى الغايات الكمالية واللام فيها موضوعها ذلك وأمأ الإرادة فليست مقتضى اللام إلا إذاعلم أن الباعث مطلوب في نفسه وعلىهذا لا يحتاج إلى تأويل فإنهم خلقوا بحيث يتأتى منهم العبادة وهدوا إليه وجعلت تلك غاية كمالية لخلقهم وتعوق بعضهم عن الوصول إليها لا يمنع كون الغاية غاية وهذا معنى مكشوف انتهى فتأمل وقيل : المراد بالعبادةالتذلل والخضوع بالتسخير وظاهر أن الكل عابدون إياه تعالى بذلك المعنى لا فرق بين مؤمن وكافر وبر وفاجر ونحو ما قيل : المعنى ما خلقت الجن والإنس إلا ليذولوا لقضائي وقيل : المعنى ما خلقتهم إلا ليكونوا عبادا لي ويراد بالعبد العبد بالإيجاب وعموم الوصف عليه ظاهر لقوله تعالى : إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لكن قيل عليه : إن عبد بمعنى صار عبدا ليس من اللغة في شيء وقيل : العبادة بمعنى التوحيد بناءا على ما روي عن ابن عباس أن كل عبادة في القرآن فهو توحيد فالكل يوحدونه تعالى في الآخرة أما توحيد المؤمن في الدنيا هناك فظاهر وأما توحيد المشرك فيدل عليه قوله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا كنا مشركين وعليه قول من قال : لا يدخل النار كافر أو المراد كما قال الكلبي : إن المؤمن يوحده في الشدة والرخاء والكافر يوحده سبحانه في الشدةوالبلاء دون النعمة والرخاء كما قال عز و جل : فإذا ركبوا في الأفلك دعوا الله مخلصين له الدين ولا يخفى بعد ذلك عن الظاهر والسياق ونقل عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما خلقتهم إلا لآمرهم وأدعوهم للعبادة فهو كقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله فذكر العبادةالمسببة شرعاعن الأمر أو اللازمة له وأريد سببها أو ملزومها مجاز وأنت تعلم أن أمر كل من أفراد الجن وكل من أفراد الإنس غير متحقق لا سيما إذاكان غير المكلفين كالأطفال الذين يموتون قبل زمان التكليف داخلين في العموم وقال مجاهد : إن معنى ليعبدون ليعرفون وهو مجاز مرسل أيضا من إطلاق اسم السبب على المسبب على ما في الإرشاد ولعل السرفيه التنبيه أن المعتبر هب المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى لا ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة قيل : وهو حسن لأنهم لو لم يخلقهم عز و جل لم يعرف وجوده وتوحيده سبحانه وتعالى وقد جاء كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف وتعقب بأن المعرفة الصحيحة لم تتحقق في كل بل بعض قد أنكر وجوده عز و جل كالطبيعيين اليوم فلا بد من القول السابق في توجيه التعليل ثم الخبر بهذا اللفظ ذكره سعد الدين سعيد الفرغاني في منتهى المدارك وذكر غيره كالشيخ الأكبر في الباب المائة والثامنية والتسعين من الفتوحات بلفظ آخر وتعقبه الحفاظ فقال ابن تيمية : إنه ليس من كلام النبي ص - ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وكذا قال الزركشي والحافظ ابن حجر وغيرهما : ومن
الصفحة 21
200