كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
يرويه من الصوفية معترف بعدم ثبوته نقلا لكن يقول : إنه ثابت كشفا وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر قدس سره في الباب المذكور والتصحيح الكشفي شنشنة لهم ومعذلك فيه إشكال معنى إلا أنه أجيب عنه ثلاث أجوبة ستأتي إن شاء الله تعالى وقيل : أل في الجن والإنس للعهد والمراد بهم المؤمنون لقوله تعالى : ولقد ذرأنا الآية أي بناءا على أن اللازم فيها ليست للعاقبة ونسب هذا القول لزيد بن أسلم وسفيان وأيد بقوله تعالى قبل : فإن الذكرى تنفع المؤمنين وأيده في البحر برواية ابن عباس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين ورواها بعضهم قراءة لابن عباس رضي الله عنهما ومن الناس من جعلها للجنس وقال يكفي في ثبوت الحكم له ثبوته لبعض أفراده وهو هنا المؤمنون الطائعون وهو في المآل متحد سابقه ولا إشكالأ على ذلك في جعل اللام للغايةالمطلوبة حقيقة وكذا في جعلها للغرض عند من يجو تعليل أفعاله تعالى بالأغراض مع بقاء الغنى الذاتي وعدم الأستكمال بالغير كما ذهب إليه كثير من السلف والمحدثين وقد سمعت أن منهم من يقسم الإرادة إلى شرعية تتعلق بالطاعات وتكوينية تتعلق بالمعاصي وغيرها وعليه يجوزأن يبقى الجن والإنس على شمولها للعاصين ويقال : إن العبادة مرادة منهم أيضالكن بالأرادة الشرعية إلا أنه لا يتم إلا إذا كانت هذه الإرادة لا تستلزم وقوع المراد كالإرادة التفويضية القائل بها المعتزلة
هذا وإذا أحطت خبرا بالأقوال في تفسير هذه الآية هان عليك دفع ما يتراءى من المنافاة بينها وبين قوله تعالى : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم على تقدير كون الإشارة إلى الإختلاف بالتزام بعض هاتيك الأقوال فيها ودفعه بعضهم بكون اللام في تلك الآية للعاقبة والذي ينساق إلى الذهن أن الحصر إضافي أي خلقتهم للعبادة دون ضدها أو دون طلب الرزق والإطعام على ما يشير إليه كلام بعضهم أخذامن تعقيب ذلك بقوله سبحانه : مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون
57
- وهو لبيان أن شأنه تعالى شأنه مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم لأنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم ومالك ملاك العبيد نفي عز و جل أن يكون إياهم لذلك فكأنه قال سبحانه : ما أريد أن أستعين بهم كما يستعين ملاك العبيد بعبيدهم فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي وذكر الإمام فيه وجهين : الأول أن يكون لدفع توهم الحاجة من خلقهم للعبادة والثاني أن يكون لتقرير كونهم كخلوقين لها وبين هذا بأن الفعل في العرف لا بد له من منفة لكن العبيد على قسمين : قسم لإظهار العظمة بالمثول بين أيادي ساداتهم وتعظيمهم إياهم كعبدي الملوك وقسم يتخذون للأنتفاع بهم في تحصيل الأرزاق أو لأصلاحها فكأنه قال سبحانه : إني خلقتهم ولابد فيهم من منفعة فليتفكروا في أنفسهم هل هم من قبيل أن يطلب منهم تحصيل رزق وليسوا كذلك فما أريد منهم من رزق وهل هم ممن يطلب منهم إصلاح قوت كالطباخ ومنيقرب الطعام وليسوا كذلك فما أريد أن يطعمون فإذا هم عبيد من القسم الأول فينبغي أن لا يتركوا التعظيم والظاهر أن المعنى ما أريد منهم رزق لي لمكان قوله سبحانه : وما أريد أن يطعمون وإليه ذب الإمام وذكر في الآية لطائف : الأولى أنه سبحانه كرر نفيا لإرادتين لأن السيد قد يطلب من العبد التكسب له وهو طلب الرزق وقد لا يطلب حيث كان له مال وافر لكنه يطلب قضاء
الصفحة 22
200