كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
حوائجه من حفظ المال وإحظار الطعام من ماله بين يديه فنفي الإرادة الأولى لا يستلزم نفي الإرادة الثانية فكرر النهي على معنى لا أريد هذا ولا أريد ذلك الثانية أن ترتيب النفيين كما تضمنه النظم الجليل من باب الترقي بيان غناه عز و جل كأنه قال سبحانه : لا أطلب منهم رزقا ولا ما هو دون ذلك وهو تقديم الطعام بين يدي السيد فإن ذلك أمر كثيرا ما يطلب من العبيد إذا كان التكسب لا يطلب منهم الثالثة أنه سبحانه قال : ما أريد منهم من رزق دونما أريد منهم أن يرزقون لأن التكسب لطلب العين لا الفعل وقال سبحانه : ما أريد أن يطعمون دون ما أريد من طعام لأن ذلك للإشارة إلى الإستغناء عما يفعله العبد الغير المأمور بالتكسب كعبد وافر المال والحاجة إليه للفعل نفسه الرابعة أنه جل وعلا خص الإطعام بالذكر لأن أدنى درجات الإستعانة أن يستعين السيد بعبده في تهيئة أمر الطعام ونفي الأدنى يتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى فكأنه قيل : ما أريد منهم من عين ولا عمل والخامسة أن ما لنفي الحال إلا أن المراد به الدنيا وتعرض له دون نفي الأستقبال لأن من المعلوم البين أن العبد بعد موته لا يصلح أن يطلب منه رزق أو إطعام انتهى فتأمله
ويفهم من ظاهر كلام الزمخشري أن المعنى ما أريد منهم من رزق ليولهم وفي البحر ما أريد منهم من رزق أي أن يرزقوا أنفسهم ولاغيرهم وما أريد أن يطعمون أي أن يطعموا خلقي فهو على حذف مضاف قاله ابن عباس انتهى ونحوه ما قيل : المعنى ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أريد أن يطعموه وأسند الإطعام إلى سبحانه لأن كلهم عيال الله تعالى ومن أطعم عيال أحد فكأنما أطعمه وفي الحديث يا عبدي مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني فإنه كما يدل عليه ةخره على معنى مرض عبدي فلم تعده وجاع فلم تطعمه وقيل : الآية مقدرة بقل فتكون بمعنى قوله سبحانه : قل لا أسألكم عليه أجرا والغيبةفيها رعاية للحكاية إذ في مثل ذلك يجوز الأمران الغيبةوالخطاب وقد قريء بهما في قوله تعالى : قل للذين كفروا ستغلبون وقيل : المراد قل لهم وفي حقهم فتلائمه الغيبة في منهم و يطعمون ولاينافي ذلك قراءة أني أنا الرزاق فيما بعد لأنه حينئذ تعليل للأمر بالقول أو الأئتمار لا لعدم الإرادة نعم لا شك فيأنه قول بعيد جدا إن الله هو الرزاق الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق لا غيره سبحانه استقلالا أو اشتراكا ويفهم من ذلك استغناؤه عز و جل عن الرزق ذو القوة أي القدرة المتين
58
- شديد القوة والجملة تعليل لعدم الإرادة قال الإمام : كونه تعالى هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق لأن من يطلبه يكون فقيرا محتاجا وكونه عز و جل هو ذو القوة المتين ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله سبحانه : وما أريد أن يطعمون لأن من يطلبه يكون عاجزا لا قوة له فكأنه قيل : ما أريد منهم من رزق لأني أنا الرزاق وما أريد منهم من عمل لأني قوي متين وكان الظاهر أني أنا الرزاق كما جاء في قراءة له صلى الله عليه و سلم لكن التفت إلى الغيبة والتعبير بالأسم الجليل لاشتهاره بمعنى المعبودية فيكون في ذلك إشعار بعلة الحكم ولتخرج الآية مخرج المثل كما قيل ذلك في قوله تعالى : إن الباطل كان زهوقا والتعبير به على القول بتقدير قل فيما تقدم هو الظاهر وتحتاج القراءة الأخرى إلى ما ذكرناه آنفا وآثر سبحانه ذو القوة على القوى قيل : لأن في ذو كما قالأ ابن الهيتي وغيره تعظيم ما أضيفت إليه والموصوف بها والمقام يقتضيه ولذا جيء
الصفحة 23
200