كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

بالمتين بعد ولم يكتف بهعن الوصف بالقوة وقال الإمام : لما كان المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الأستعانة بالغير جيء بوصف الرزق على صيغةالمبالغةلأنه بدونها لا يكفي في تقرير عدم إرادة الرزق وبوصف القوة بما لا مبالغةفيه لكفايته في تقرير عدم الأستعانة فإن من له قوة دون الغاية لا يستعين بغيره لكن لما لم يدل ذو القوة على أكثر من أن له تعالى قوة ما زيد الوصف بالمتين وهو الذي له ثبات لا يتزلزل ثم قال : إن القوي أبلغ من ذي القوة والعزة أكمل من المتانة وقد قرن الأكمل بالأكمل وما دونه بما دونه في قوله تعالى : ليعلم الله من من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز وفي قوله تعالى : إن الله هو الرزاق الخ لما اقتضى المقام ذلك وقد أطال الكلام في هذا المقام وما أظنه يصفو عن كدر وقرأ ابن محيصن الرزاق بزنة الفاعل وقرا الأعمش وابن وثاب المتين بالجر وخرج على أنه صفة القوة وجاز ذلك مع تذكيره لتأويلها بالأقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر والمؤنث أو لأجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول وأجاز أبو الفتح أن يكون صفة لذو وجر على الجوار كقولهم هذا حجر ضب خرب وضعف فإن للذين ظلموا أي إذا ثبت أن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه سبحانه ما يريد منهم من رزق إلا آخر ما تقدم فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا من العبادة وإشراكهم بالله عز و جل وتكذيبهم رسوله عليه الصلاة و السلام وهم أهل مكة وإضرابهم من كفار العرب ذنوبا أي نصيا من العذاب مثل ذنوب أي نصيب أصحابهم أي نظرائهم من الأمم السالفة وأصل الذنوب الدلو العظيمة الممتلئة ماءل أو القريبة من الأمتلاء قال الجوهري : ولا يقال لها ذنوب وهي فارغة وهي تذكر وتؤنث وجمعها أذنبة وذنائب فاستعيرت للنصب مطلقا شرا كان كالنصيب من العذاب في الآية أو خيرا كما في العطاء في قول علقمة بن عبدة التيمي يمدح الحرث بن أبي شمر الغساني وكان أسر أخاه شاسا يوم عين أباغ : وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب يروى أن الحرث لما سمع هذا البيت قال نعم وأذنبة ومن استعمالها في النصيب قول الآخر : لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب وهو استعمال شائع وفي الكشاف هذا تمثيل أصله في السقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال الراجز : إنا إذا نازلنا غريب له ذنوب ولنا ذنوب وإن أبيتم قلنا القليب فلا يستعجلون
59
- أي لا يطلبوا مني أن أعجل في الأتيان به يقال استعجله أي حثه على العجلة وطلبها منه ويقال : استعجلت كذا أن طلبت وقوعه بالعجلة ومنه قوله تعالى : أتى أمرالله فلا تستعجلون وهو على ما في الإرشاد جواب لقولهم : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين فويل للذين كفروا

الصفحة 24