كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

أي فويل لهم ووضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بما فيحيز الصلة الكفر وإشعارا بعلة الحكم والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذابا عظيما كما أن الفاء التي قبلها لترتيب النهي عن الإستعجال على ذلك و من في قوله سبحانه : من يومهم الذي يوعدون
60
- للتعليل والعائد على الموصول محذوف أي يوعدونه به على قول والمراد بذلك اليوم قيل : يوم بدر ورجح بأنه الأوفق لما قبله من حيث أنه ذنوب من العذاب الدنيوي وقيل : يوم القيامة ورجح بأنه الأنسب لما في صدر السورة الكريمة الآتية والله تعالى أعلم
ومما قاله بعض أهل الإشارة في بعض الآيات : والذاريات ذروا إشارة إلى الرياح التي تحمل أنين المشتاقين المعترضين لنفحات الألطاف إلى ساحات العزة ثم تأتي بنسيم نفحات الحق إلى مشام المحبين فيجدون راحة ما من غلبات اللوعة فالحاملات وقرا إشارة إلى سحائب ألطاف الألوهية تحمل أمطار مراحم الربوبية فتمطر على قلوب الصديقين فالجاريات يسرا إشارة إلى سفن أفئدة المحبين تجري برياح العناية في بحر التوحيد على أيسر حال فالمقسمات أمرا إشارة إلى الملائكة النازلين من حظائر القدس بالبشائر والمعارف على قلوب أهل الأستقامة وإن شئت جعلت الكل إشارة إلى أنواع رياح العناية فمنها ما يطير بالقلوب في جو الغيوب وقد قال العاشق المجازي : خذ من صبا نجد أمانا لقلبه فقد كاد رياها يطير بلبه وإياكما ذاك النسيم فإنه متى هب كان الوجد أيسر خطبه ومنها الحاملات وقرا دواء قلوب العاشقين كما قيل : أيا جبلي نعمان بالله خليا نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها أجد بردها أو تشف مني حرارة على كبد لم يبق إلا صميمها فإن الصبا ريح إذاما تنسمت على نفس مهموم تجلت همومها ومنها الجاريات من مهاب حضرات القدرس إلى أفئدة أهل الأنس بسهولة لتنعش قلوبهم ومنها المقسمات ما جاءت به مما عبق من آثار الحضرة الإلهية على نفوس المستعدين حسب استعداداتهم وإن شئت قلت غير ذلك فالباب واسع والسماء ذات الحبك إشارة إلى سماء القلب فإنها ذات طرائق إلى الله عز و جل إن المتقين في جنات وعيون إشارة إلى جنات الوصال وعيون الحكمة وبالأسحار هم يستغفرون يطلبون غفر أي ستر وجودهم بوجود محبوبهم أو يطلبون غفران ذنب رؤية عبادتهم من أول الليل إلى السحر ومن كل شيء خلقنا زوجين إشارة إلى أن جميع ما يرى بارزا من الموجودات ليس واحدا وحدة حقيقة بل هو مركب ولا أقل من كونه مركبا من الأمكان وشيء آخر فليس الواحد الحقيقي إلا الله تعالى الذي حقيقته سبحانه إنيته فقروا إلى الله بترك ما سواه عز و جل وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون أي ليعرفون وهو عندهم إشارة إلى ما صححوه كشفا من روايته ص - عن ربه سبحانه أنه قال : كنت كنزا مخفديا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف وفي كتاب الأنوار السنية للسيد نور الدين السمهودي بلفظ كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت هذا الخلق ليعرفوني فبي عرفوني وفي المقاصد الحسنة للسخاوي بلظ كنت كنزا لاأعرف فخلق خلقا فعرفتهم بي

الصفحة 25