كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
فعرفوني إلى غير ذلك وهو مشكل لأن الخفاء أمر نسبي فلا بد فيه من مخفي ومخفي عنه فحيث لم يكن خلق لم يكن مخفي عنه فلا يتحقق الخفاء وأجيب أولا بأن الخفاء عن الأعيان الثابتة لأن الأشياء في ثبوتها لا إدراك لها وجوديا فكان الله سبحانه مخفيا عنها معروف لها معرفة وجودية فأحب أن يعرف معرفة حادثة من موجود حادث فخلق الخلق لأن معرفته الوجودية فرع وجودهم فتعرف سبحانه إليهم بأنواع التجليات على حسب تفاوت الأستعدادات فعرفوا أنفسهم بالجليات فعرفوا الله تعالى من ذلك فبه سبحانه عرفوه وثانيا بأن المراد بالخفاء لازمه وهو عدم معرفة أحد به جل وعلا ويؤيده ما في لفظ السخاوي من قوله : لا أعرف بدل مخفيا وثالثا مخفيا بمعنى ظاهرا من أخفاه أي أظهره على أن الهمزة للإزالة أي أزال خفاءه وترتيب قوله سبحانه : فأحببت أن أعرف الخ عليه باعتبار أن الظهور متى كان قويا أوجب الجهالة بحال الظاهر فخلق سبحانه الخلق ليكونوا كالحجاب فيتمكن معه من المعرفة ألا يرى أن الشمس لشدة ظهورها لا تستطيع أكثر الأبصار الوقوف على حالها إلا بواسطة وضع بعض الحجب بينها وبينها وهوكما ترى لا يخلو عن بحث وأما إطلاق الكنز عليه عز و جل فدق ورد روي الديلمي في مسنده عن أنس مرفوعا كنز المؤمن ربه أي فإن مكنه سبحانه كل ما يناله من أمر نفيس في الدارين والشيخ محيي الدين قدس سره ذكر في معنى الكنز غير ذلك فقال في الباب الثلثمائة والثمانية والخمسين من فتوحاته : لو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق أعني الحادث في قوله : كنت كنزا الخ فجعل نفسه كنزا والكنز لا يكون إلامكتنزا في شيء فلم يكن كنو الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئية ثبوته هناك كان الحق مكنوزا فلما ألبس الحق الإنسان ثوب شيئية الوجود ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده وعلم أنه سبحانه كان مكنوزا فيه شيئية ثبوته وهو لا يشعر به انتهى وهو مطلق الطير الذي لا نعرفه نسأل الله تعالىالتوفيق لما يحب ويرضى بمنه وكرمه
الطور
مكية كما روي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم ولم نقف على استثناء شيء منها وهي تسع وأربعون آية في الكوفي والشامي وثمان وأربعون في البصري وسبع وأربعون في الحجازي ومناسبة أولها لآخر ما قبله اشتمال كل على الوعيد وقال الجلال السيوطي : وجه وضعها بعد الذاريات تشابههما في المطلع والمقطع فإن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفر ولا يخفى ما بين السورتين الكريمتين من الأشتراك في غير ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم والطرر
1
- الطور اسم لكل جبل على ما قيل : في اللغة العربية عند الجمهور وفي اللغة السريانية عند بعض ورواه ابن المنذر وابن جرير عن مجاهد والمراد به هنا طور سينين الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عنده ويقال له : طور سيناء أيضا والمعروف اليوم بذلك ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة وقال أبو حيان في تفسير سورة والتين : لم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام وقال في تفسيره : هذه السورة في الشمام جبل يسمى الطور وهو طور سيناء فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله سبحانه به لفضله على الجبال قيل : وهوالذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام انتهى فلا تغفل وحكى الراغب أنه جبل محيط بالأرض ولا يصح عندي وقيل : جبل من جبال
الصفحة 26
200