كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
أو قائم والبحر المسجور
6
- أي الموقد نارا
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالىوجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقا وقرأ والبحر المسجور وإذاالبحار سجرت وبذلك قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحدمبن كعب والأخفش وقال قتادة : المسجور المملوء يقال : سجره أي ملأه والمراد به عند جمع البحر المحيط وقيل : بحر في السماء تحت العرش وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفي البحر إنهما قالا فيه ماء غليظ ويقال له : بحر الحياة يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبورهم وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أنه الملأ الأعلى الذي تحت العرش وكأنه أراد به الفضاء الواسع المملوء ملائكة وعن ابن عباس المسجور الذي ذهب ماؤه وروي ذو الرمة الشاعر وليس له كما قيل حديث غير هذا عن الحبر قال : خرجت أمة لتستقي فقالت : إن الحوض مسجور أي فارغ فيكون من الأضداد وحمل كلامه رضعنه على إرادة البحر المعروف وأن ذهاب مائه يوم القيامة وفي رواية عنه أنه فسره بالمحبوس ومنه ساجور الكلب وهي القلادة التي تمسكه وكأنه عني المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع الأرض أو يغيض فتبقى الأرض خالية منه وقيل : المسجور المختلط وهو نحو قولهم للخليل المخالط : سجير وجعله الراغب من سجرت التنور لأنه سجير في مودة صاحبه والمراد بهذا الأختلاط تلاقي البحار بمياهها واختلاط بعضها ببعض وعن الربيع اختلاط عذبها بمحلها وقيل : اختلاطها بحيوانات الماء وقيل : المفجور أخذا من قوله تعالى : وإذا البحار فجرت ويحتمله ما أخرجه ابن المنذرعن ابن عباس من تفسيره بالمرسل وإذااعتبر هذا مع ما تقدم عنهآنفا من تفسيره بالمحبوس يكون من الأضداد أيضا وقال منبه بن سعيد : هو جهنم سميت بحرا لسعتها وتموجها والجمهور على أن المراد به بحر الدنيا وبه أقول وبأن المسجور بمعنى الموقد ووجه التناسب بين القرائن بعد تعين ما سيق له الكلام لائح وهو ههنا إثبات تأكيد عذاب الآخرة وتحقيق كينونته ووقوعه فأقسم سبحانه له بأمور كلها دالة على كمال قدرته عز و جل معكونها متعلقة بالمبدأوالمعاد فالطور مكالمة موسى عليه السلام ومهبط آيات البدأوالمعاد يناسب حديث إثبات المعاد وكتاب الأعمال كذلك مع الإيماء إلى أن إيقاع العذاب عدل منه تعالى فقد تحقق ودون في الكتاب ما يجر إليه قبل والبيت المعمور لأنه مطاف الرسل السماوية ومظهر لعظمته تعالى ومحل لتقديسهم وتسبيحهم إياه جل وعلا والسقف المرفوع لأنه مستقرهم ومنه تنزل الآيات وفيه الجنة : والبحر المسجور لأنه محل النار وإذا حمل الكتاب على التوراة كان التناسب مع ما قبله حسب النظر الجليل أظهر ولم يجعله عليها كثير لزعم أن الرق المنشور لا يناسبها لأنها كانت في الألواح ولا يخفى عليك أن شيوع الرق فيما يكتب فيه الكتاب مطلقا يضعف هذا الزعم في الجملة ثم إن المعروف أن التوراة لا يكتبها اليهود اليوم إلا في رق وكأنهم أخذوا ذلك من أسلافهم وقال الإمام : يحتمل أن تكون الحكمة في القسم بالطور وبالبيت المعمور والبحر المسجور أنها أماكن خلوة لثلاثة أنبياء مع ربهم سبحانه أما الطور فلموسى عليه السلام وقد خاطب عنده ربه عز و جل بما خاطب وأما البيت المعمور فلرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد قال عنده : سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا أحصي
الصفحة 28
200