كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

التي تجري في منازلها وكلها حركة وإن اختلفت سرعة وبطأ كما بين في موضعه وقيل : هي الكواكب السبعة الشهيرة وتسمى السيارة وقيل : الذاريات النساء الولود فإنهن يذرن الأولاد كأنه شبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح وباقي المتعاطفات على ما سمعت أولا وقيل : الذاريات هي الأسباب التي تذري الخلائق على تشبيه الأسباب المعدة للبروز من العدم بالرياح المفرقة للحبوب ونحوها وقيل : الحاملات الرياح الحاملة للسحاب وقيل : هي الأسباب الحاملة لمسبباتها مجازا وقيل : الجاريات الرياح تجري في مهابها وقيل : المقسمات السحب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد وقيل : هي الكواكب السبعة السيارة 2وهو قول باطل لا يقول به إلا من زعم أنها مدبرة لعالم الكون والفساد وفي صحيح البخاري عن قتادة خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى به فمن تأول فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم وزاد رزين وما لا يعلم له به وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة وعن الربيع مثله وزاد والله ما جعل الله تعالى في نجم حياة أحد ولا رزقه ولا موته وإنما يفترون على الله تعالى الكذب ويتعللون بالنجوم ذكره صاحب جامع الأصول وقد مر الكلام في إبطال ما قاله المنجمون مفصلا فتذكر ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى شيء من ذلك وجوز أن يراد بالجميع الرياح فإنها كما تذر وما نتذروه تثير السحاب وتحمله وتجري في الجو جريا سهلا وتقسم الأمطار بتصريف السحاب في الأقطار والمعول عليه ما روي عن عمر رضعنه سامعا له من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقاله باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه على المنبر وإليه كما عن الزجاج ذهب جميع المفسرين أي المعتبرين وقول الأمام بعد نقله له عن الأمير : الأقرب أن تحمل هذه الصفات الأربع علىالرياح جسارة عظيمة على ما لا يسلم له وجهل منه بما رواه المسيب من الخبر الدال علىأن ذلك تفسير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأين منه الأمام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وقول صاحب الكشف : إنه شديد الطباق للمقام ولذا آثره الإمام لا أسلمه له أيضا إذا صح الحديث ثم إذا حملت هذه الصفات على أمور مختلفة متغايرة بالذات كما في المعول عليه فالفاء للترتيب في الأقسام ذكورا ورتبة باعتبار تفوت مراتبها في الدلالة على كمال قدرته عز و جل وهذا التفاوت إما على الترقي أو التنزل لما في كلمنا من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه وأدنى من آخر إذا نظر لها ذو نظر صحيح وقيل : الترتيب بالنظر إلى الأقرب فالأقرب منها وإن حملت على واحد وهو الرياح فهي لترتيب الأفعال والصفات إذ الريح تذر الأبخرة إلى الجو أولا حتى تنعقد سحابا فتحمله ثانيا وتجري به ثالثا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله تعالى ثم تقسم أمطاره وقيل : إذا حملت الذاريات والحاملات على النساء فالظاهر أنها للتفاوت في الدلالة على كمال القدرة فتدبر
ونصب ذروا على أنه مفعول مطلق ووقرا على أنه مفعول به وجوز الإمام أن يكون من باب ضربته سوطا و يسرا على أنه صفة مصدر محذوف بتقدير مضاف أي جريا ذا يسر أو على أنه حال أي ميسرة كما نقل عن سيبويه و أمرا على أنه مفعول به وهو واحد الأمور وقد أريد به الجمع لم يعبر به لأن الفرد أنسب برءوس الآي مع ظهور الأمر وقيل على أنه حال أي مأمورة والمفعول به محذوف أو الوصف منزل منزلة اللازم أي تفعل التقسيم مأمورة وقرأ أبو عمرو وحمزة والذاريات ذروا بإدغام التاء في الذال وقريء وقرا بفتح الواو على أنه مصدر وقره إذا حمله كما أفاده كلام الزمخشري وناهيك

الصفحة 3