كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)

ليدل على أن الخلاص من بعض أجزيتهم أيضا ويلزم أن الخلاص جزاء المقابلين من طريق الإيماء وموقعه موقع الأعتراض تحقيق التوفير ما عدد لأنه إنما يكون بعد الخلاص وفيه إيماء إلى أن إلحاق الأبناء إنما كان تفضلا على الآباء لا على الأبناء ابتداءا لأن التفضل فرع الفك وهؤلاء هم الذين فكوا فاستحقوا التفضل وجعله استئنافا بيانيا لهذا المعنى كما فعل الطيبي بعيد وقيل : رهين فعيل بمعنى الفاعل والمعنى كل امريء بما كسب راهن أي دائم ثابت وفي الإرشاد أنه أنسب بالمقام فإن الدوام يقتضي عدم المفارقة بين المرء وعمله ومن ضرورته أن لا ينقص من ثواب الآباء شبء فالجملة تعليل لما قبلها وأنت تعلم أن فعيلا بمعنى المفعول أسرع تبادرا إلى الذهن فاعتباره أولى ووجه الأتصال عليه أوفق وألطف كما لا يخفى
وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون
22
- أي وزدناهم على ما كان لهم من مباديء التنعم وقتا فوقتا مما يشتهون من فنون النعماء وألوان الآلاء وأصل المد الجر ومنه المدة للوقت الممتد ثم شاع في الزيادة وغلب الإمداد في المحبوب والمد في المكروه وكونه وقتا بعد وقت مفهوم المد نفسه يتنازعون فيها كأسا أي يتجاذبونها في الجنة هم وجلساؤهم تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامي بينهم في الدنيا لشدة سرورهم قال الأخطل : نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري وقيل : التنازع مجاز عن التعطي والكأس مؤنث سماعي كالخمر ولا تسمى كأسا على المشهور إلا إذا امتلأت خمرا أو كانت قريبة من الأمتلاء وقد تطلق على الخمر نفسها مجاز العلاقة المجاورة وقال الراغب : الكأس الإناء بما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا وفسرها بعضهم هنا بالإناء بما فيه من الخمر وبعضهم بالخمر والأول أوفق بالتجاذب والثاني بقوله سبحانه : لا لغو فيها أفيشربها حيث لا يتكلمون في أثناء الشرب بلغو الحديث وسقط الكلام ولا تأثيم ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله أي ينسب إلى الإثم لوفعله في دار التكليف كما هوديدن الندامى في الدنيا وإنما يتكلمو بالحكم وأحاسن الكلام ويفعلون ما يفعله الكرام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لا لغو ولاتأثيم بفتحهماويطوف عليهم أي بالكأس غلمان لهم أي مماليك مختصون بهم كما يؤذن به اللام ولم يقلغلمانهم بالإضافة لئلا يتوهم أنهم الذي كانوا يخدمونهم في الدنيا فيشفق كل من خدم أحدافي الدنيا أن يكون خادماله في الجنة فيحزم بكونه لا يزال تابعا وقيل : أولادهم الذين سبقوهم فالأختصاص بالولادة لا بالملك وفيه أن التعبير عنهم بالغلمان غير مناسب وكذا نسبة الخدمة إلا الأولاد لاتناسب الأمتنان كأنهم لؤلؤ مكنون
24
- مصوم في الصدف لم تنله الأيد كما قال ابن جرير ووجه الشبه البياض والصفاء وجوز أن يراد بمكنون مخزون لأنه لا يخزم إلا الحسن الغالي الثمن وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادةقال : بلغني أنه قيل : يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم فقال عليه الصلاة و السلام : والذينفسي بيده إن فضل ما بينهم كفضل القمر ليلة البدر على سائرالكواكب وروي أن أدنى أهل الجنةمنزلة من يناديالخادم من خدامه فيجيء ألفببابه لبيك لبيك
وأقبلبعضهمعلى بعض يتساءلون
25
- أي يسأل كل بعض منهمبعضا آخر عن أحواله وأعماله فيكون

الصفحة 34