كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 27)
وهو متعلق بمضمون الكلام والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنو بسبب نعمة الله تعالى عليك وهذا كماتقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه والمراد الرد على قائل ذلك وإبطال مقالتهم فيه عليهالصلاة والسلام وإلافلا امتنان عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس وقيل : الأمتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيته ص - من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون وممن قال كاهن : شيبة بن ربيعة وممن قال مجنون : عقبةبن أبي معيط أم يقولون أي بل أيقولون شاعر أي هو شاعر نتربص أي ننتظر به ريب المنون
30
- أي الدهر وهو فعول منالمن بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها ومنه حبل منين أي مقطوع والريب مصدر رابه إذاأقلقه أريد به حوادث الدهر وصرفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أينزل والمراد بنزوله إهلاكه وتفسير المنون بالدهر مروي عن مجاهد وعليه قول الشاعر : تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموتحليها وبيت أبي ذؤيب أمن المنون وريبه يتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع قيل : ظاهره ذلك وكذلك قول الأعشى : أأن رأت رجلاأعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل ولهذا أنشده الجوهري شاهداله وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس تفسيره بالموت وهو مشترك بينالمعنيين فقد قال المرزوقي في شرح بيت أبي ذؤيب المار آنفا : المنون قد يراد به الدهر فيذكر وتكون الرواية ريبه وقد يراد به المنية فيؤنث وقد روي ريبها وقد يرجع له ضمير الجمع لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها انتهى فلاتغفل وهو أيضامن المن بمعنى القطع فإنها قاطعة الأماني واللذات ولذا قيل : المنية تقطع الأمنية وريب المنو عليه نزول المنية وجوز أن يكون بمعنى حادث الموت بيانية روي أن قريشا اجتمعت في دار الندوة وكثرة آراؤهم فيه عليه الصلاة و السلام حتىقال قائل منهم وهم بنو عبد الدار كما قال الضحاك تربصوا به ريب المنون فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت وقرأزيد بن علي يتربص بالياء مبنياللمفعول وقريء ريب بالرفع على النيابة
قل تربصوا تهكم بهم وتهديد لهم فإني معكم منالمتربصين
31
- أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي وفيه عدة كريمة بإهلاكهم أمتأمرهمأحلامهم أي عقولهم وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي وذلك على ما قال الجاحظ لأن جميع العالم يأتونهم ويخالطونهم وبذلك يكمل العقل وهو يكمل بالمسافرة وزيادة رؤية البلاد المختلفة والأماكن المتباينة ومصاحبة ذوي الأخلاق المتفاوتة وقد حصل لهم الغرض بدون مشقة وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله تعالى بالعقل ! فقال : تلك عقول كادها الله عز و جل أي لم يصحبها التوفيق فلذا لم يؤمنوا وكفروا وأنا لا أرى في الآية دلالة على رجحان عقولهم
الصفحة 36
200